بدون سابق موعد دخلا معاً نفس الغرفة، شاب وفتاة، لم يحتاجا لكثير من الوقت للتعارف؛ على الفور تبادلا كل البيانات الشخصية، وبسرعة شديدة وصلا لمرحلة من التفاهم كبيرة.. تواعدا على كثرة التلاقي، ولم تشعر الفتاة بنفسها وهي تقول: "لم أسترح مع أحد من قبل مثلك، أشعر أني أعرفك منذ زمان بعيد"، ويرد عليها الشاب: "أنت فتاة أحلامي التي أبحث عنها"، وبعدها يتبادلان آهات طويلة، ترتفع معها حرارة جسدهما مما دفعهما لتبادل قبلة طويلة و... بعد فترة يشعران أنهما -يا حرام- لا يستطيعان الفراق ولا يقدران على احتماله، يبادر الشاب بكل رجولة حبيبتي اسمعيني: .. تتزوجيني، ترد الفتاة بفرحة شديدة ألا ترى أن الأمر يحتاج إلى ترتيب، يرد الشاب: الأمر لا يحتاج أي ترتيب، وينادي: "يا توتي، يا عذراء الربيع، يا أبو رجل مسلوخة"، تعالوا اشهدوا على عقد زواجي، وهؤلاء هم الجيران في الغرفة المجاورة لهم، "واتمختري يا حلوة يا زينة من غرفة شات chatting لأخرى ومن موقع لموقع"، تتراجع الفتاة في آخر لحظة، وتقول لحبيبها: لا بد من مقابلة والدي قبل إتمام الزواج، يذهب الشاب بالفعل لمقابلة والدها، ومقابلتها لأول مرة، ولكنه يفاجأ بأن فتاته أو حورية الجنة كما تخيلها، وكما صورت هي نفسها له أقل جمالاً من "عبد المنعم إبراهيم" في فيلم "فتافيت السكر هانم" ، وتكتشف هي أن خياله أوسع من أبو لمعة؛ لأنه لم يصل حتى "لعبد الفتاح القصري" وهو يقول: "يا صفايح الزبدة السايحة"، وكل منهما يندم لعدم استخدام الويب كاميرا.
عــزيزي القارئ..
هذه صورة مصغرة لما يتم داخل غرف الدردشة بين الشباب والفتيات، والذي يؤدي هذه الأيام إلى ما يعرف بزواج الإنترنت...
فنحن نرصد في هذا التحقيق الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة.
البداية بــزواج الكمبيوتر
مع قدوم ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، وشيوع ثقافة الكمبيوتر والإنترنت، التي جاءت على أنقاض الأعمال التقليدية واليدوية، والتي لم تعد تفي بالسرعة والجودة المطلوبين، بدأنا نرى ونسمع عن التجارة الإلكترونية، البريد الإلكتروني، والحب الإلكتروني، والقبلة الإلكترونية، الصديق الإلكتروني، وأخيراً الزواج الإلكتروني، الذي كانت بدايته من خلال مكاتب تستخدم الكمبيوتر في التوفيق بين الشباب، الفتيات من راغبي الزواج، لتقوم بدور إلكتروني جديد هو الخاطبة الإلكترونية، لتحل محل الخاطبة التقليدية، ولتزاحم أبواب الزواج في الصحف والمجلات.
الإنترنت يدخل السباق
مع بداية انتشار الإنترنت في الدول العربية وظهور ما عرف بـ (مقاهي النت) التي أتاحت فرص الدخول على الشبكة لقاعدة عريضة من الشباب بعد أن كان الدخول مبكراً على فئة قليلة قادرة وفي مستوى اجتماعي معين، وبعد إدمان الكثير من الشباب للثرثرة في غرف الدردشة الموجودة على شبكة بدأت ثقافة جديدة تظهر على السطح في أوساط الشباب، وبخاصة على صعيد العلاقات الإنسانية والعاطفية؛ نظراً لتحطم سقف الحرية داخل هذه الغرف، فبدأنا نسمع عن الحب الإلكتروني، والقبلة الإلكترونية، ونظراً لسهولة التعارف المباشر (أون لاين) من خلال هذه الغرفة بدأنا نسمع مؤخراً عن "زواج الإنترنت"، الأمر الذي دعا مكاتب الزواج لأن تطور هي الأخرى نفسها بإنشاء مواقع خاصة لها على الشبكة.
ماذا يقول الشباب؟
والآن تعالوا نتعرف على آراء الشباب حول هذه الظواهر الجديدة: في البداية يقول "هشام هاني" السنة الرابعة / آداب فلسفة، مبدئيًّا أنا لا أحترم أي فتاة تدخل الإنترنت بغرض الدردشة مع الشباب في أمور كلها خارجة عن حدود الأدب والحياء؛ وبالتالي أنا أعارض بشدة فكرة زواج الإنترنت؛ لأن الحكاية معروفة داخل غرف الدردشة "كله بينصب على كله" من خلال تقديم معلومات غير حقيقية عن نفسه.
وترى: سماح أن زواج الإنترنت هو ظاهرة غريبة على المجتمع المصري والعربي، فلا يمكن إجراء دردشة Chatting مع أي شخص فما بالك بالحال مع شخص أتزوجه، مشيرة إلى أن هذا الزواج يعبر عن واقع اجتماعي معين يسوده الفراغ والإحباط مما يدفع البعض إلى التسلية والترفيه عبر الإنترنت.
وترى داليا، مشرفة بإحدى المكتبات العامة، تقول أرى أن طلب الفتيات الزواج من خلال الإنترنت فكرة فاشلة جدًّا؛ لأن الشاب العربي عندما يتزوج يختار بعناية شديدة من سيتزوجها، فهو من الممكن أن يكون منحرفا، ولكنه سيحاول أن يرتبط بفتاة غاية الالتزام، وبالتالي استهتار بفتاة أخرى على النت نوع من تضييع الوقت ليس أكثر، وعلى فكرة هي موضة بعد فترة سيعرض الشباب عنها.
آراء الخــبراء
يؤكد د. أحمد المجدوب -مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية -شكوكه في مكاتب الزواج التي أصبحت منتشرة الآن، ويقول: إن إحدى الباحثات أجرت دراسة أكاديمية للحصول على درجة الماجستير عن "تقييم مكاتب تزويج الأشخاص"، أجريت على مكتبين في مصر أحدهما في حي "الجيزة"، والآخر في حي "مصر الجديدة"، وخلصت إلى أن هذه المكاتب حققت نجاحاً محدوداً في البداية، إلا أن الزوجين بعد ذلك صادفا عدة مشكلات وعقبات؛ لأن مدة التعارف بينهما كانت "محدودة"، كما أن أصحاب هذه المكاتب قد يستغلون الفتيات في أعمال منافية للآداب، وغير مشروعة، أو يحاول إقناع الشباب بالزواج من سيدات تكبرهن في السن مقابل الإنفاق عليهم ماديًّا فيما أطلق عليه ظاهرة "بغاء الذكور"؛ لأن الرجل في هذه الحالة يبيع جسده مثل المرأة.
بين أرض الواقع وأرض الخيال
يؤكد الدكتور "عمرو أبو خليل"، المعالج النفسي ومستشار القسم الاجتماعي بشبكة إسلام أون لاين.نت على أن العوامل التي تدفع بعض الشباب إلى الإقدام على الزواج من خلال الإنترنت، عدم وضوح الرؤية بالنسبة للطرفين التي يمكن أن يتقدم بها الشاب لخطبة فتاة في المجتمع العربي، فإن تقدم لها بالطريقة التقليدية أو "زواج الصالونات" قالوا زواج يفتقد مشاعر الحب، وإن كانت قصة حب ولقاءات بينهما بعيداً عن الأسرة قلت ثقته في أخلاقها، وبين المحافظة، والتحرر احتار الشباب؛ ولذا سارع باستخدام الإنترنت في الزواج نتيجة هذه الأمور المعقدة، وبدأ الأمر بالحب الإلكتروني، وانتهى الآن بالزواج فهو خداع لأن الزواج لا بد أن يكون بين طرفين ماديين موجودين على الواقع، وليس في عالم خيالي، ولذا تجد المشكلة الكبرى عندما يتلاقى ما هو افتراضي وما هو حقيقي فيبدأ الصراع الداخلي الذي ينتصر فيه الحقيقي على الافتراضي، وكم من حالة تعارف بين شباب تمت على الإنترنت وعندما يتم اللقاء المباشر بينهما على أرض الواقع يشعر كلاهما بخيبة أمل؛ لأنه لم يجد شريكه أو صديقه كما كان يتخيله بل وجده شخصاً عاديًّا، ويمكن أن يكون التعارف إيجابيًّا متى توافقت الرؤية بين الخيال والواقع وإن كان هذا نادراً جدًّا.
الشريعة والقانون
يقول المستشار الدكتور بيومي محمد بيومي، أستاذ القانون العام والشريعة الإسلامية، نائب رئيس مجلس الدولة: إن تحرير عقود الزواج من خلال الشبكة البينية عبر المواقع الإلكترونية الشخصية للأفراد كارثة حقيقة تهدد المصريين؛ لأن كثيرا من هذه الزيجات تكون خارج إطار المراقبة الاجتماعية والشرعية والضبط القانوني؛ لأنها تتم في إطار ما هو شخصي، وخاصة أن عقود الزواج نفسها يتم تحريرها في بعض الأحيان من خلال الشبكة البينية ذاتها، وهذه كارثة قانونية وشرعية كبرى أدعو الشباب لتجنبها.
فقد يتم هذا الزواج بدون أركانه الشرعية أو بدون خطبة وتعارف حقيقي جاد أو بدون مجلس زواج أو بدون أن ينظر الشاب إلى الفتاة التي سيتزوجها، وقد تتزوج الفتاة المسلمة بدون إذن وليها، كما قد يتم تحرير عقود زواج فاسدة على الإنترنت، ولا تستند هذه العقود إلى أسس وضوابط شرعية، بل إن منها ما يحمل صيغاً تكون متنافية لتعاليم الإسلام بشكل سافر.
ويضيف د. بيومي "ينبني هذا الزواج في كثير من الأحوال على التدليس أو الغش، أن يدعي أحد طرفي الزواج بيانات ومعلومات شخصية تخصه وهي لا أساس لها من الصحة، ولا يكون هناك من سبيل للتحقق من صحة هذه المعلومات إلا بعد وقوع الزواج مما يتسبب في كارثة؛ ونظراً لعدم وضوح حيثيات مثل هذا الزواج الذي يتم بين طرفين تفصلهما مسافات كبيرة، فقد انساق كثير من الشباب المصريين والعرب نحو الزواج من فتيات واكتشفوا لاحقا أنهن إسرائيليات، وأعقب ذلك دعوتهم للعمل في إسرائيل والإقامة فيها.