هذا ليس مجرد شعار ، بل مبدأ وطني رضعناه منذ الصغر وتوارثته الأجيال وإحتضنته طوابير الاسرى والجرحى والمبعدين ، وقضى من أجله ركب طويل من الشهداء الكوادر والقادة والمناضلين الأوفياء ، ولمن لا يدرك قيمة هذا (المبدأ) أو يستخف بمعانيه أقول أن فلسطين هي وطننا الأبدي والوحيد وشعب فلسطين هو إمتدادنا التاريخي وعمقنا المتشبث بالأرض الراسخ فيها كجذور الزيتون ، أما علمنا المفدى بألوانه الزاهية ومعانيها الخلاقة فهو هويتنا الفلسطينية التي نعبر فيها أرجاء العالم كأمة لها وطن وقضية ومستقبل .
واليوم وبدون خجل أو مواربة وبعيدا عن التشاؤم والمزاودة على أحد ، وبعد أن حدث ما حدث في غزة ، لم يعد الوطن واحدا ولا الشعب واحدا ولا العّلم واحد ... فالأنقلاب الدموي المشؤوم – لعنة الله عليه – (قسّم) الوطن و( فسّخ ) الشعب و( دنّس) العّلم !!! وما عجز الأحتلال عن تحقيقه منذ ( النكبة) ونهب الأرض الفلسطينية والأستيلاء عليها ، أنجزناه نحن بأيدينا (المدمّرة) وعقولنا (المتحّجرة)... كنا دوما نحلم بالاستقلال والحرية والسيادة ... ورضينا كحل مرحلي بسلطة وطنية مستقلة على أرض غزة والضفة ، يعيش في كنفها شعبنا الفلسطيني الموّحد والمناضل على اسس العدالة والديمقراطية وتحت راية وسارية علمنا الفلسطيني المفدى !!! وقد أثبتنا وخلال سنوات الثورة والنضال - التي لم تنته بعد - أننا شعب لا يموت وأصحاب حق وقضية... توحدنا في اشد المراحل وأحلكها ... تلاحمنا كي نفشل كل المؤمرات والمشاريع التصفوية التي إستهدفت وحدتنا الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ( ممثلنا الشرعي والوحيد )... وكان الاغتيال السياسي لدينا مرفوض ومحّرم ، والسلاح المنحرف عن أهدافه الوطنية مشبوه ومجرم !!! وآمنا جميعا وفي مقدمتنا حركتي ( فتح وحماس) بالانتخابات الديمقراطية النزيهة وأنجزناها بشفافية ومصداقية عالية ، لكننا سرعان ما إنقلبنا على أنفسنا وعلى كل ( المباديء والأخلاق) التي تغنينا بها ؟!!! وبعد ان كانت صورتنا ( مشرقة ) أمام كل الشعوب أصبحت بسبب السلوك الهمجي والوحشي (معيبة ومخجلة ) !!! كيف ومن أجل ماذا ، لا نعرف ؟!!!
اليوم – وما أبشعه من واقع – أصبح لدينا دولتين ونظامين وعلميّن وسلاحّين وبرنامجّين ومشروعّين وشعبّين ... قطاع غزة (إمارة حمساوية ) وقد يطلق عليها البعض ( إقليم متمرد ) والضفة الغربية ( معقل الشرعية ) وهي بنظر ( أمراء الأمارة ) معقل ( دايتون وكفار أوسلو والأرباب الذين باعوا الأرض والقضية ) ... أما الشعب فهو ( الضحية ) وهو الذي يدفع الثمن
( صبحا وعشّيه ) وهو الذي (لا حول له ولا قوة ) مع أنه ( بحر العطاء ومنبع التضحيات ) ومنه يستمد (القادة والأمراء) مكانتهم وشرعيتهم ونفوذهم ليقيموا (ممالكهم ومشاريعهم الأزلية) !!!
اليوم تمارس في وطننا ( الجرائم والكبائر ) ... وتتزايد مشاهد (الخطف والحرق والقتل والتدمير) وتنتشر فتاوي ( التخوين ) و( التكفير ) و( التحقير) !!!
فأي وطن هذا الذي ندّعيه وأصبح إسم ( فلسطين) وزهرتها ( القدس) لا يليق بنا وغاضب علينا ومزعوج من ممارساتنا المخزية ؟!!! أي وطن هذا الذي فيه ( المحتل المغتصب ) و( القاتل المجرم ) و( الخائن الفاسد) أصبح (صديقا وفيا) و( رجلا أبيا ) تسمع كلمته وتلبى مطالبه ويصان أمنه ، فيما المواطن الفلسطيني الشريف والوطني الشجاع تمتهن كرامتة ويمثل في جسدة وتتناثر دماؤه وأشلاؤه بلا شفقة أو رحمه ؟!! وفي الوقت الذي تبتلع فيه الجرافات الاسرائيلية أراضينا وتهدم بيوت أهلنا في القدس الذبيحه ونحاصر بالجدار والمستوطنات ، تنحرف أنظار كل العالم عن جرائم الأحتلال وويلاته وتسلط أنظارها على جرائمنا بحق أنفسنا وتعدينا على حرمة دماءنا وبيوتنا ومؤسساتنا الوطنية والرسمية ؟!! أي وطن هذا الذي أصبح فيه التخوين والتكفير والتعذيب والتهجير والهدم والتدمير فن وهواية ، بل عادة تمارس بفتوى المزاج والأنانية القاتلة ؟!!! أي وطن هذا الذي تحولت فيه ( الجنة فلسطين ) إلى ( جهنم ) وغمست حضارتها وتاريخها ومسيرة شعبها في وحل ( الطين) ؟!!! أي وطن هذا الذي إدعينا أنه أعز وأقرب إلينا من عائلاتنا وعشائرنا وأبنائنا ، فصرنا نطلب الهجرة منه ونسعى للهروب من واقعه الأليم ؟!!!
الوطن – أيها الأنقلابيون – اصبح ذبيحا يئّن من وجع سكاكينكم ( المدمّية) ... الوطن أيها ( القادة المؤتمنون ) غدا ( كسيحا ) بسبب ( تراجعكم) و( ترهلكم ) و(سوء إدارتكم) ... و( الشعب) تاه في نفق خلافاتكم المظلمة ونزاعاتكم المدمرة ، وهو في ( غزة) يغرق ببحر من ( الدماء الزكية الطاهرة) ... أما رايتنا ( العلم الفلسطيني ) – فيا لمهزلة القدر- داسته بساطير( التتر) ومزقته رياح ( فتنة القتل والشّر ) وإستبّدل براية خضراء يدّعي أصحابها أنهم ( رسل ) هذا العصر وخير سلالة في ( بني البشر) !!! بالله عليكم ، ألا يكفيكم كل ما حصل كي تتعلموا وتفيق ضمائركم ؟!! ماذا حققتم لوطنكم الذي لا زال صبورا على ( أعمالكم السوداء ) ؟!! بماذا كافأتم شعبكم الذي لا زال غفورا لكم و( لجرائمكم الشنعاء ) ؟!! وإلى اين تمضون بقضيتكم التي ضحى من أجلها المشردون والمبعدون والجرحى والأسرى ومن هم أكرم واسمى منكم (السابقون الشهداء ) ؟!!!
وطن واحد ... شعب واحد ... علم واحد !!! هذه جميعها ( فلسطين) مسرى الأنبياء ومهد السيد المسيح ... فتعالوا للعيش فيها ( رحماء وأوفياء ) ، (مخلصين وموحدّين) ... ففلسطين (وطنكم) الذي لم يقبل القسمة إلا على نفسه وعليكم فكيف بربكم تتوغلون بتقسيمه ؟!! فلسطين ( شعبكم ) الذي تتشرف به كل شعوب الأرض وتؤدي له التحية السهول والجبال والوديان والكنائس والمآذن فكيف - بالله عليكم – تتفننون في قتله وتعذيبه ؟!!
فلسطين ( علمكم ) ... حافظوا عليه لا تدنسوه ولا تنكسوه !!! فلسطين ( مولدكم ) و(هويتكم ) و( جواز سفركم ) ووثيقة حق لكل واحد فيكم ... فلا تنّصبوا من أنفسكم ( شهادا) على تدميرها وتقسميها وقتل روحها الوطنية !!!!