صـورة تجتاحــها الجبهـــة الشعبيــة فــي وهــج التحــدي.. تـرتقـي فيــها البطــولات إئتــلافــاً والـرفــاق تورث الرفــاق صحــواً .. يـــا لهــذا الوديـــع كيــف إنســان فـي حزبنا بطـلاً ضــج بالرفـــاق ارتشـافــاً .. أغـــرق الكــون بجبهـــة لا تغيب. هكذا كان حداد يؤسس .. يحفر بعيداً في الأعماق بإصرار ودأب .. كان يؤسس لنموذج آخر يأتي مع الزمن البطيء .. كان يسقي الفولاذ بنا الصدق والانتماء والوفاء والتضحية والشجاعة الخاصة. كان الرحيل كبيراً .. وكانت الأسطورة أكبر .. أسطورة العشق الأزلي لأبناء فلسطين الذين يتعربشون أسوار المجد كفراشات ملونة .. يشرعون صدرهم للرصاص والقذائف .. يختلطون بالتراب .. ليس لأنهم يكرهون الفرح ونبض الحياة .. بل لأنهم يدركون محاكمة الأم الرحيمة والحنونة القاسية التي لا تسمح بإهانة تراثها المقاوم .. ولا ترخى ظفائر ليلها أو شلالات شعاعها على ظلم أو رضوخ. لكل هذا كان وديع قائداً فرياً .. وإنساناً ثورياً فريداً .. لكل هذا بكته فلسطين .. دمشق .. بيروت .. عمان .. الجزائر .. المغرب .. بغداد .. تونس .. القاهرة .. لكل هذا استطاع أن يتخطى الحدود بموته الكبير دون إذن أو موافقة بوليسية .. في ذلك اليوم وفي المستشفى البعيد بكت زوجته .. وحفنة الخُلص الذين شهدوا الإغماضة الأخيرة .. وفي أماكن كثيرة بكى كثيرون .. رفاقه في المجال الخارجي .. خسروا قائداً كان "مدرسة نكران الذات" .. وحزن رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .. وتذكره رفاقة في "حركة القوميين العرب" .. حزن عليه شباب المخيمات .. وبكى ثوار من أصقاع كثيرة وفدوا إليه .. تعلموا وتدربوا .. وتركوا في العواصم دوياً بوسع دائرة المعركة .. صاروا يتامى .. كارلوس الذي اسمه "سالم" يقيم في السجن و"مريم" اليابانية في السجن أيضا .. تبدد الشمل وتغير العالم .. فلم يكن وارداً أن يرتاح ابن صفد في تراب صفد .. فلا هو ينام تحت علم الاحتلال .. ولا الأخير يطمئن إلى ساكن القبر .. كان يبحث عن وطنه .. والآن يبحثون له عن أشبار في الغربة. رفيقنا "الخال" أبو هاني .. أصبحنا أيتاماً الآن .. النسر الجارح غاب .. والفضاء تملؤه الغربان .. والهواء غبار ساخن يشقق الروح .. الحلق يغوص به الرمل .. كل حبة تلد صحراء. رفيقنا الوديع .. رفيق حبش وجيفارا وغسان .. نحن مأسورون بالحب القاتم .. الدمع معدن تلوكه جفوننا .. والقمر من بعدك التحق بركب المتآمرين .. لم تعد هناك أصوات عذرية في قبيلتنا والشبق يهوي على الجميع .. فلا جسر الآن بين منافينا وأرضنا القديمة .. مسك روحك يعطر تراباً غريباً .. واللوز الحزين في صفد مجهول الهوية .. منذ أن رحلت .. والأرض تحمل رائحة الغريب.