عندما تتسبب ريشة الفنان بتهجيره ثم اغتياله ، وعندما يأتي الغضب على دولة لوجود صاحب الريشة
عندما يتغرب الفنان مرتين ليجعل ريشته حره ..حينها يتأكد صحة مقولة بعض الفنانين أن " الفن رساله"
كان رسام الكاركتير الفلسطيني
ناجي العلي موعود مع التغريب كثيرا! تغرب عن وطنه ليسكن في مخيم عين الحلوه
ثم تغرب عن مخيمه ليجعل ريشته حره في الكويت ، انتقل تغريب ريشته للندن وضحى بغربة الروح لأجل بقاء ريشة الوطن حرة وأبيه....
هو ناجي سليم حسين العلي ، ، من مواليد قرية الشجرة عام 1936 وهي قرية تقع بين الناصرة و طبريا في الجليل الشمالي من فلسطين .
شرد من فلسطين عام 1948 ، نزح وعائلته مع أهل القرية باتجاه لبنان ( بنت جبيل) وهو من أسرة فقيرة تعمل في الزراعة والأرض ، لجأ إلى مخيم عين الحلوة شرق مدينة صيدا حيث سكن وعائلته بالقرب من بستان أبو جميل قرب الجميزة منطقة " عرب الغوير" .
وكانت حياة ناجي العلي في المخيم عبارة عن عيش يومي في الذل. فأحدث ذلك صحوة فكرية مبكرة لديه، عرف انه وشعبه ، كانا ضحايا مؤامرة دنيئة دبرتها بريطانيا وفرنسا ، بالتحالف والتنسيق مع الحركة الصهيونية العالمية .
درس ناجي العلي في مدرسة " اتحاد الكنائس المسيحية " حتى حصوله على شهادة " السرتفيكا" اللبنانية ، ولما تعذر عليه متابعة الدراسة ، اتجه للعمل في البساتين وعمل في قطف الحمضيات والزيتون ، لكن بعد مدة ، ذهب إلى طرابلس – القبة ومعه صديقة محمد نصر شقيق زوجته (لاحقاً )ليتعلم صنعة في المدرسة المهنية التابعة للرهبان البيض .
تعلم سنتين هناك ، ثم غادر بعد ذلك إلى بيروت حيث عمل في ورش صناعية عدة ،
1957 سافر إلى السعودية بعدما حصل على دبلوم الميكانيكا وأقام فيها سنتين ، كان يشتغل ويرسم أثناء أوقات فراغه ، ثم عاد بعد ذلك إلى لبنان .
1959 حاول أن ينتمي إلى حركة القوميين العرب ، لأنه وخلال سنة واحدة ، أبعد أربع مرات عن التنظيم ، بسبب عدم انضباطه في العمل الحزبي .
وفي عام1960 - 1961 أصدر نشرة سياسية بخط اليد مع بعض رفاقه في حركة القوميين العرب تدعى " الصرخة " .
كما أنه في عام 1960م دخل الأكاديمية اللبنانية للرسم ( أليكسي بطرس) لمدة سنة ، إلا أنه ونتيجة ملاحقته من قبل الشرطة اللبنانية ، لم يداوم إلا شهراً أو نحو ذلك ، وما تبقى من العام الدراسي أمضاه في ضيافة سجون الثكنات اللبنانية ، حيث ( .. أصبح متواجدا دائماً في معظم السجون ، تارة يضعونه في سجن المخيم ، وأخرى ينقلونه إلى السجن الأثري في المدينة القريبة (سجن القلعة في صيدا – القشلة ) ، وإ.ذا ما ضخموا له التهمة ـ فإنهم كانوا ينقلونه إلى سجن العاصمة أو المناطق الأخرى - . بعد ذلك ، ذهب إلى مدينة صور ودرس الرسم في الكلية الجعفرية لمدة ثلاث سنوات .
وفي عام 1963م سافر إلى الكويت وعمل في مجلة الطليعة الكويتية رساماً ومخرجاً ومحرراً صحافياً ، وكان هدفه أن يجمع المال ليدرس الفن في القاهرة أو في إيطاليا .
ومن عام 1968م عمل في جريدة السياسة الكويتية لغاية العام 1975 .
مع بداية العام 1974 عمل في جريدة السفير ، وقد استمر فيها حتى العام 1983 .
هذا وقد انتخب رئيس رابطة الكاريكاتيرالعرب في عام 1979م
ومن عام 1983م عمل في جريدة القبس الكويتية وبقي فيها حتى أكتوبر 1985 .
وبعد العديد من الضغوطات على الكويت نتيجة لرسوماته ، ترك الكويت وتوجه إلى لندن حيث عمل في" القبس" الدولية وذلك عام 1985 م
شاركت رسوم ناجي العلي في عشرات المعارض العربية والدولية .
و أصدر ثلاثة كتب في الأعوام (1976 ، 1983 ، 1985) ضمت مجموعة من رسوماته المختارة .
كان يتهيأ لإصدار كتاب رابع لكن رصاص المغتالين لم يمهله ولم يتم العمل.
حصلت أعماله على الجوائز الأولى في معرضي الكاريكاتير للفنانين العرب أقيما في دمشق في سنتي 1979 1980 م .
عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين .
نشر ا:ثر من 40 ألف لوحة كاريكاتورية طيلة حياته الفنية ، عدا عن المحظورات التي مازالت حبيسة الأدراج ، ماكان يسبب له تعباً حقيقياً .
اختارته صحيفة "اساهي " اليابانية كواحد من بين أشهر عشرة رسامي كاريكاتير في العالم .
اغتيل في لندن يوم 22 / 7 / 1987 وتوفي 29/ 8/ 1987 م .
وبعد وفاته ، أقيم مركز ثقافي في بيروت أطلق عليه اسم " مركز ناجي العلي الثقافي" تخليداً لذكراه ، كما حملت اسم الفنان مسابقة الرسم الكاريكاتوري أجرتها جريدة " السفير" .
8/ 2/ 1988 وصف الاتحاد الدولي لناشري الصحف في باريس ناجي العلي ، بأنه واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر ، ومنحه جائزة " قلم الحرية الذهبي" وسلمت الجائزة في إيطاليا إلى زوجته وابنه خالد ، علماً بأن ناجي العلي هو أول صحافي ورسام عربي ينال هذه الجائزة .
(( ناجي والكاركتير))في تجربة ناجي، وفي منظوره الإبداعي، الكاريكاتير هو أحسن أداة للتوصيل. فهي البداية كان طموح ناجي يتجه نحو عالم الفن التشكيلي باعتباره أفضل وسيلة للتعبير، بيد أنه ما لبث أن اكتشف أن وسيلته المثلى للتخاطب مع الجماهير هو فن الكاريكاتير، تلك الجماهير التي أذاقتها وإياه الصهيونية الاستيطانية عذاب الهجرة، ومرارة الإجلاء عن تربة الأجداد، وعانت من مأساة التأخر والغرب الإمبريالي المتضافرين معا ضد كل ما يمت بصلة إلى مستقبل الأمة.
كانت التجربة مرتبطة بمعايشة شعب وقضية، وبمقدار ما شب الفنان بمقدار ما اتضح مجرى المستقبل. استمر يبني تجربته في تخصص وتركيز، في بحث جاد عن وسائله المتلائمة مع ما يحمله من ميولات كامنة. لكن كيف عرفت أولى محاولاته النور ؟
يقول:" استمرت محاولاتي باتجاه الرسم للتعبير عن المأساة إلى أن صادفني مرة الشهيد غسان كنفاني في إحدى سهرات المخيم ورأى بعض إنتاجي فدهش له وأخذ منه بعض النماذج، بعد فترة قصيرة فوجئت بنشرها، هذا الأمر شكل عندي حافزا للمواظبة على تنمية هذه الموهبة. دفعني بعض الأصدقاء للدراسة في الجامعة ولم أكمل سنة واحدة إلى أن سنحت لي الفرصة بالمجيء للعيش والعمل بمجلة "الطليعة" الكويتية التي كانت بمثابة نقطة انطلاق نحو رسم الكاريكاتير"
يحدد ناجي للكاريكاتير وظيفة تحريضية وتبشيرية: تحريضية على مجريات الاستيطان ورموزه الصهيونية وعلى ظاهرة العبث الإمبريالي، ذي الطبيعة الإجرامية، بمصير أمة بأسرها. وتبشيرية ضاربة على وتر المستقبل وزارعة لبذور الأمل، وبإمكانية الذات العربية على صنع الانتصار على ذاتها ثم على أعدائها التاريخيين. ومن خلال ثنائية قائمة على التحريض والتبشير يربط ناجي علاقة متميزة مع القارئ، علاقة مناطها النقد والتعرية، علاقة تجهل طقوس الاحتشام والمجاملة وغيرها من ضروب النفاق التي لا تنفع في فلسطين وعالم عروبة تطوقهما خنادق الشرور من كل جانب، هذه العلاقة تحدد المهمة: مهمة النقد والفضح بدون أصباغ، فينتزع ناجي، حينئذ، بصر العربي من الفراغ أو الضياع ليركزه على قيوده المتسمة بالكثرة والقسوة.
حين يرسم في ظل هذه المبادئ طيلة ثلاثين سنة، فإنه كان قد انطلق من قضية محددة هي قضية فلسطين بالذات، غير أنه، وفي خضم ترعرع مساره الغني بحق، ما لبثت فلسطين في وجدانه وفي عقله وفي تعبيراته الإبداعية أن امتدت وترامت إلى أن استوت وانبسطت رقعة واحدة من المحيط إلى الخليج
يقول ناجي " مهمة الكاريكاتير تعرية الحياة بكل ما تعني الكلمة.. الكاريكاتير ينشر الحياة دائما على الحبال وفي الهواء الطلق، وفي الشوارع العامة... إنه يقبض على الحياة أينما وجدها لينقلها إلى أسطح الدنيا حيث لا مجال لترميم فجواتها ولا مجال "لتستير عورتها" ".
ويضيف " من يطلب النكتة في العالم العربي فعليه ألا ينظر إلى الكاريكاتير بل إلى الواقع السياسي العربي
استعمل ناجي منظومة خاصة من الشخوص والرموز، وقد كانت نابعة في العمق من معاناة شعبه وأمته ومتأثرة بفكره السياسي، فناجي يستعمل الحمامة كرمز، وإذا كان من المتعارف عليه أن الحمامة رمز للسلام، فإن ناجي-نظرا لتشكل قناعة أخرى لديه- يقلب هذا المعنى لأن مقولة السلام صارت مقولة ملغومة ومربية، ولذلك تنقلب الحمامة من رمز للسلام، عنده ، إلى غراب قاتم ينذر بالشؤم، ويقول"فالعالم أحب السلام وغصن الزيتون، لكن هذا العالم تجاهل حقنا في فلسطين. لقد كان ضمير العالم ميتا، والسلام الذي يطالبنا به هو على حسابنا، لذا وصلت بي القناعة إلى عدم شعوري ببراءة الحمامة"
وفي تقدير ناجي فإن أي فنان يمكن أن يبني رموزه الخاصة بعالمه، وليس شرطا أن يقتفي آثار غيره رموزا وشخوصا ولذلك نجده يستعمل نسقا من الرموز الخاصة مثل غصن الحبق والزهر والفراشة والحجر، والبحر...
حنظلة/ الطفل، ذلك الذي يريد ظهره دائما، الممزق الثياب، الحافي القدمين، الطفل الذي يلوي يديه خلف ظهره... إنه "شاهد العصر أو شاهد العصر الذي لا يموت"، شاهد على أفعال القوى المتكلسة المناهضة للتغيير والسائرة في موكب الاستسلام، الشاهد على عصر الانحطاط المتخثر في عالم العرب، الشاهد على جرائم الصهيونية: سرطان الأمة، وعلى الإمبريالية الأمريكية: سرطان العصر؛ الشاهد على عصر يتم فيه احتواء الأرض والإنسان وعلى غزو العقل والتربة –الشاهد على الموت بالجملة والموت بالتقسيط، على الذين يموتون فداء للوطن والكرامة بلا أكفان وبلا مراسيم، وعلى الذين يسقطون بالرصاص الحاقد على الأرصفة الغريبة، على الذين يموتون جوعا، وعلى أطفال يموتون في أجواء الحصار وباء وعطشا، وأيضا على الذين يموتون كمدا وحسرة لأنهم لا يملكون سلطة ولا قدرة على إيقاف ما يجري من موت ودمار، وعلى ما يحدث كل يوم من أفعال عمياء خارجة عن نطاق العقل والضمير والقيم الحضارية التي شيدها الناس منذ بدء الحياة البشرية إلى عصر الانحطاط العربي...حنظلة هذا هو الذي أحبته واحتضنته قلوب الملايين هو الرمز وهو الحقيقة في آن، هو الرمز المشبع بدلالة ما يعيشه الإنسان العربي المقهور، وبما يشير إليه من براءة وصدق وسذاجة الطفولة العربية التي تحاك حولها أفظع المؤامرات من خارج ومن داخل، وعلى الأرض العربية الرازحة تحت الاحتلال، وهو في نفس الوقت رمز إلى صنع الزمن الآتي الذي ستقبض عليه أيادي الأجيال القادمة انطلاقا من فعل حنظلة وأقرانه. حنظلة أيضا هو حقيقة الكائن البشري في هذه الرقعة العربية، الكائن الطفولي الذي تسلسله قيود الفقر والجوع والحفاء والعراء، وأصناف الأوبئة، وفواجع الحرمان من الأبوة والأخوة والخؤولة... والأمومة في أحيان عديدة... حقيقة طفل لا حق له في منزل يقيه قيظ المصيف وصقيع المشتاة، بل هو طفل محبر بفعل اخطبوطات شتى على العيش مهجرا في الخيام في أحياء بلا مجارير وبلا حدائق، بلا واجهات زجاجية،تاركا في الجوار جنة الكرم والزيتون وحبات البرتقال الذهبية... يعيش خلل الخيام –الزنازن تلك التي يغمرها رعب الدبابات الإسرائيلية والحصارات الطائفية... أما أرض الآباء والأجداد فتظل هناك فريسة لهمجية العصر تدك الهوية وتسحق الإنسانلماذا كانت لشخصية حنظلة كل هذه المواصفات الخصبة، والسر في هذه التسميه هو اشتقاقها من الحنظل!
((شخصيات الكاريكاتير))1- حنظله
يقول ناجي العلي عن الطفل حنظلة :
" ولد حنظلة في العاشرة من عمره، و سيظل دائماً في العاشرة ، ففي تلك السن غادرتُ الوطن، وحين يعود، حنظلة سيكون بعد في العاشرة، ثم سيأخذ في الكبر بعد ذلك ... قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه، إنه استثناء لأن فقدان الوطن استثناء ،.. وستصبح الأمور طبيعيةً حين يعود للوطن ..لقد رسمته خلافاً لبعض الرسامين الذين يقومون برسم أنفسهم ويأخذون موقع البطل في رسوماتهم ... فالطفل يُمثل موقفاً رمزياً ليس بالنسبة لي فقط ... بل بالنسبة لحالة جماعية تعيش مثلي وأعيش مثلها. .. قدمته للقراء واسميته حنظلة كرمز للمرارة، في البداية قدمته كطفل فلسطيني لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفق قومي ثم أفق كوني إنساني. "
2- فاطمة 3- الرجل الطيب
"هو بلا اسم ثابت محدد ، فمرة يدعى العم عباس ومرة أبو حسين ومرة أبو إلياس ومرة أبو جاسم ومرة أبو حمد ومرة مارون ومرة محمد ... إلخ ..."
اغتيال ناجي العليتبدأ قصة اغتياله ظهر يوم 22 يوليو 1987 عندما وصل ناجي العلي إلى شارع آيفز حيث يقع مكتب صحيفة " القبس " الدولية وبينما كان متوجهاً إلى مقر الصحيفة اقترب منه شاب مجهول واطلق عليه رصاصة أصابته قرب انفه من مسدس ، سقط بعدها ناجي على الأرض فيما فر الجاني ، الذي فتح صفحة جديدة في تاريخ الإغتيالات العربية ، حيث كان ناجي أول فنان رسام كاريكاتير يقتل في أجل خطوط بسيطة بالأبيض والأسود ، معبراً فيها عن قضيته ومأساة شعبه الفلسطيني ، وقد كان وصية ناجي الخاصة دفنه إلى جانب والديه في مخيم " عين الحلوة " في صيدا حيث نشأ وترعرع في