كما هو معروف حاول يوسي سريد (وزير التربية والتعليم الإسرائيلي الأسبق) أن يدرج بعض قصائد درويش في المنهاج الإسرائيلي، ولكن هذا لم يدم، ولم يستمر.
ومن المعروف أيضا أن أشعار درويش ترجمت إلى اللغة العبرية، وقام بترجمتها الشاعر المرحوم محمد حمزة غنايم، وقرائها الإسرائيليون، ومن الذين قرأوها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون، وعبر عن إعجابه بأشعار محمود درويش، وقال إنه لم يكن يتوقع أن يكتب درويش شعرًا على هذا القدر من الجمال، واليوم مثلاً نشرت مقاطع من مقالة الكاتب الإسرائيلي أ.ب. يهوشع، عبر فيها عن إعجابه بأشعار محمود درويش، وأنها تركت أثرًا فيه، ولكن علينا أيضًا أن نتذكر أن بعض أشعار درويش تركت أثرًا سلبيًا على الإسرائيليين.
فمثلا قصيدته "عابرون في كلام عابر"، أثارت ضجة كبيرة في المجتمع الإسرائيلي، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير قرأها من على منبر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وقال: "انظروا ماذا يقول شاعر فلسطين الذي ينعته اليسار الإسرائيلي بأنه شاعر معتدل، هذا الشاعر لا يريد أن نخرج نحن من فلسطين، وإنما يريد أن نأخذ معنا، قبور موتانا".
وقد ترجمت هذه القصيدة إلى اللغة العبرية، سبع ترجمات وتركت أثرًا على القراء الإسرائيليين، بل إنها تركت أثراً على يهود فرنسا، الذين تظاهروا في باريس، وطالبوا الحكومة الفرنسية بان تطرد درويش من باريس. يوم كان مقيماً فيها.
هذا يعني أن أشعار درويش تركت أثرًا ايجابيًا أحيانًا على بعض المواطنين الإسرائيليين، بينما بعضها ترك أثرًا سلبيًا على بعض الإسرائيليين اليهود.
ما أثر شعر محمود درويش على الساحة العالمية الشعرية والأدبية؟
من المعروف أن درويش كان قارئًا جيدًا للشعر العالمي، فقد قرأ الشعراء العالميين المشهورين، مثل ناظم حكمت، وبابلو نيرودا، وكفافي، ويانيس ريتسوس، ولويس أراغون، ، وبرتولد بريخت، ولوركا، وآخرين، مثل ت.س. اليوت، وقد تأثر بهؤلاء جميعًا، ولم يكتفِ بهذا التأثر، وإنما أراد هو نفسه أن يؤثر في حركة الشعر العالمي، وقد ترجمت أشاعره إلى لغات عالمية كثيرة.
ومن المؤكد أن الشعراء العالمين، قرأوا من خلال ترجماته، وهنا لا بد من أن يقوم دارسو الأدب المقارن بتتبع ترجمات محمود درويش إلى اللغات الأخرى، وملاحظة مدى انعكاس أشعاره في الشعراء المعاصرين، وحينئذ نعرف ما أثر شعره في الساحة العالمية.
ولكن نحن نعرف أن هناك دراسات كثيرة أنجزت عن تأثر درويش بالشعراء العالمين الذين قرأ لهم، ولكننا لا نعرف أن هناك دراسات أنجزت بالجانب المقابل، أي عن تأثير درويش في شعراء عالميين. اعتقد أن هذا المهمة سيقوم بها دارسون غربيون، قرأوا درويش مترجمًا إليهم، وقرأوا قصائد شعارهم المعاصرين الذين ما زالوا يكتبون القصيدة الشعرية.
كيف تعقب، على ما يقوله بعض الكتاب والنقاد عن أن شعر محمود درويش كان متأثرًا بشعراء إسرائيليين؟
المعروف لنا أن محمود درويش كان يجيد اللغة العبرية، وقدر قرأ الشعر العبري بلغته الأصلية، ومن المعروف أيضًا أنه قرأ للشاعر العبري المعروف "مناحيم بيالك" وما من شك أن هذه القراءات ستترك أثرها في أشعاره.
ويقر محمود درويش في مقابلات كثيرة أجريت معه، بأن أشعاره ما هي إلا فسيفساء تتشكل من أشعار الآخرين ..بل أنه في بعض مقطوعاته الشعرية التي وردت في ديوانه "لا تعتذر عما فعلت " حين زار فلسطين بعد العام 1996 وعبر عن زيارته شعرًا .. بين بان أشعاره صدى لأشعار آخرين زاروا المكان، وأنه يضيف جملة أو جملتين مما كان قرأه من أشعار سابقة ..طبعا علينا أن نتذكر مقولات نقدية مهمة جدًا مثل مقولات الناقد الروسي "ميخائيل باختين" التي تقول (لا توجد كتابة تبدأ من فراغ، وأن الكتابة هي كتابة على الكتابة)، وبما أن محمود درويش قرأ الشعر العبري، فلا شك انه تأثر به.