أكّد الدكتور عزام سلهب المحاضر بكلية الشريعة جامعة الخليل، ورئيس الجمعية الخيرية الإسلامية في المدينة والذي أفرجت عنه قوات الاحتلال مؤخّراً بعد قضاء ثلاث سنوات في عددٍ من السجون، أنّه اعتقل بشكلٍ تعسّفيّ من بيته بتهمة رئاسة جمعية خيرية، مضيفاً أنّ الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني يعانون من قمع إدارات السجون التي تتفنّن في إجراءاتها التعسفية .
وقال إنّ الأسرى بحاجةٍ لوقفةٍ جادة معهم ومع عائلاتهم في ظلّ الاحتلال القمعي، وفي ظلّ تجاهل قضيتهم من قِبَل الكثيرين، مشدّداً على أنّ الأسرى ينتظرون فجر الحرية وكلّهم أملٌ في أنْ يتمّ تحريك ملفهم على مختلف المستويات المحلية والعربية والدولية .
جاء ذلك في حوارٍ خاص مع الدكتور سلهب فيما يلي تفاصليه ...
استهداف الجمعيات
هل لك أنْ تحدّثنا عن كيفية اعتقالك وطبيعة الظروف التي أحاطت بعملية الاعتقال ؟
- اعتقلت بعد الاجتياح الصهيونيّ لمدينة الخليل بأيامٍ وذلك في 20/7/2002م عندما اشتدّت الحملة ضدّ الجمعيات الخيرية والمؤسسات التي تقوم بالرعاية الاجتماعية والثقافية والتربوية وتحمِل هموم المجتمع الفلسطيني. وفي ذلك الحين طالت الهجمة المسؤولون في مختلف الجمعيات، ومنها أعضاء الجمعية الخيرية الإسلامية في الخليل وأنا بينهم علماً أنّ هذه الجمعية هي مؤسسة تعمل على رعاية الأيتام وتدريسهم وإنشائهم تنشئة صالحة وتربّيهم تربية صالحة .
وتمت عملية الاعتقال بحصار البيت وتفتيشه بشكلٍ عجيب لأكثر من ساعتين، وبعد اعتقالي نقلوني إلى أحد المعسكرات القريبة بإلقائي في أرضية الجيب العسكري ثم نقلوني إلى معتقل عوفر وأنا مقيّد اليدين ومعصوب العينين بكلّ إهانة وبذاءة، وبطريقة أزعجت الأولاد. وبعد اعتقالي حملوا معهم ما أرادوا من كتبٍ وأوراق وأجهزة لا شأن لهم بها .
وهل تعرضت لأيّ نوعٍ من الضرب أثناء عملية الاعتقال ؟
- لم يكن هناك ضربٌ شديد، لكن تعرّضت لضغط الدم، وعندما نقلوني إلى معسكر المجنونة القريب رفضوا استقبالي وتمت إعادتي لمقرّ الارتباط في ظروفٍ سيئة جداً .
رئاسة جمعية ...
ما هي التهم التي وُجّهت لك بعد الاعتقال ؟
- تم استجوابي بشكلٍ سريع حيث إنّ لائحة الاتهام ملفّقة وجاهزة ومعدّة وتتضمّن اعترافاً من أشخاصٍ لا أعرفهم بأني أنتمي لحركة حماس، إضافة إلى مجموعة أخبارٍ وشهادات من مجموعة من هنا وهناك تفيد بأنّني أحد مشايخ الخليل وأقوم بالتحريض عبر المنابر. والعجيب أنّ من بين التهم التحريض على السلطة الفلسطينية. وعندما سألت مندوب المخابرات (هل أحرّض أكثر من الوزير رفيق النتشة أ وعباس زكي ؟) قال : (لا أدري، هذا ما عندي في الكومبيوتر). ومن أكبر التهم كان إدارة مؤسسة غير مشروعة هي الجمعية الخيرية الإسلامية .
قضاء بيد المخابرات ..
كيف يمكن أن تصف مجريات المحكمة وقرار القاضي الذي اعتمد على موقف المخابرات ؟
- القاضي يحكم بما يمليه عليه مندوب المخابرات، ليس هناك قضاءٌ مستقلّ في الكيان الصهيونيّ، القضاء والقاضي والمرافعات كلّها في جيب الاستخبارات الصغيرة، وكثيرٌ من الإخوان يرفضون التوجّه للمحاكم لهذا السبب، والتقينا بإخواننا الأسرى الإداريين الذين أفادونا بهذا الموضوع وقرّروا أنْ يقاطعوا هذه المحاكم الهزلية التي تُسمّى محاكم وزارة العدل (الإسرائيلية) .
ما هي السجون التي كتب لك زيارتها أثناء فترة الاعتقال هذه ؟
- حُكِمت بالسجن 36 شهراً، قضيت منها بعد 13 شهراً ونصف الشهر في سجن عوفر، و14 شهراً ونصف الشهر في سجن نفحة، ثم 4 شهور موزّعة ما بين سجون أيشن في السبع ثم جلبوع ثم أيشن السبع. وتم الإفراج عنّي مع المفرج عنهم حيث كان متبقياً لي 69 يوماً .
مقابر الأحياء ..
كيف تصف شعور المعتقلين وخاصة ذوي الأحكام العالية بعد الإفراج عنكم ؟
- الآن في السجون المركزية هناك آلافٌ مؤلفة من الأسرى الذين درج بينهم مصطلح "نحن نتعيش في مقابر الأحياء"، فالأسرى معزولون عن العالم عزلاً تاماً وتتحكّم مصلحة السجون في كلّ شيء بما في ذلك الزيارات التي لا تسمح بها إلا وفق شروطٍ مذلّة وعجيبة حيث لا تسمح بلقاء الأولاد مع أبيهم، وتضع زجاجاً وسماعات للحديث بين المعتقل وذويه أثناء الزيارة إذا سمح لها .
وهناك بعض المعتقلين لم يسمح لهم بالزيارة منذ سنوات، والآن يعيشون في حالة مزرية جداً، ومصلحة السجون تشنّ حملة شرسة ضدّ المعتقلين خاصة بعد فشل الإضراب الأخير الذي بدأ في 15/8/2004 .
إضراب 2004
هناك من يتحدّث عن فشل إضراب آب 2005 ... لماذا حسب تجربتك ؟
- الإضراب فشل لمجموعة أسبابٍ أهمّها أنّ بعض المتنفّذين وعلى وجه الخصوص في سجن عسقلان تواطؤوا مع الإدارة وباعوا إنجازات المعتقلين، والمعتقلون يعرفون هؤلاء المتنفّذين بأسمائهم، وهم الذين يتحمّلون العبء الأكبر، علماً أنّ الإضراب كان محضّراً له بشكلٍ ممتاز وتفاعل مع العالم بشكلٍ ممتاز. وقد وضع الأسرى مئات المطالب، لكنْ بصورة عجيبة انتهى الإضراب واتخذ قرار تعليقه بطريقةٍ أساءت للأسرى، وكانت ضربة غير متوقّعة وخلفت حالةً من الإحباط في أوساط المعتقلين ومشاعر غضبٍ هائلة بينهم رغم أنّه كان يمكن التفاوض على حلّ الإضراب مقابل ثمن .
ألم يكنْ هناك تنسيقٌ بين المعتقلات في هذا الإضراب ؟
- كان هناك تنسيقٌ واتفاق على البدء فيه رغم أنّه كان هناك اختلاف على التوقيت، فقد وافقت الأغلبية إلا أنّ البعض فضّل البدء فيه متأخّراً، وبعد ثمانية أيام من الإضراب في سجن عسقلان فكّ الإضراب فيه فكانت طعنة في ظهر المضربين.
ديمقراطية زائفة
وكيف يمكن أنْ يعرض الأسرى معاناتهم للعالم في سجون دولةٍ تدّعي أنها الدولية الوحيدة الديمقراطية في الشرق الأوسط؟
- في القرن الحادي والعشرين يعامل هؤلاء الأسرى معاملة سيئة جدّاً حيث تصادر حرياتهم وتمسّ كرامتهم، ويتدخّل السجّانون في كلّ حياتهم وسيوفهم مسلّطة بواسطة العقوبات والمخالفات التي تُفرَض على الأسرى، حيث تفرض العقوبات على الأسرى لأتفه الأسباب بوضع الأسير المعاقب في زنزانة انفرادية أ وتغريمه بمبلغٍ كبير جداً من المال تحت ذريعة عدم الانضباط في العدد وعدم الالتزام ورفع الصوت وغيرها من الحجج ..
المعاناة واحدة
خضت تجربة السجون عدة مرات، فكيف تصف الوضع فيها ؟
- السجون تنقسم إلى قسمين، الأول ه والسجون المركزية التي تخضع لمصلحة السجون الصهيونيّة وتشرف عليها وزارة الأمن الداخلي الصهيونيّة وهذه لها نظامٌ قمعيّ دقيق حيث يتحكّم السجّان في كلّ شيء يتعلق بالأسير من هواءٍ وماء وطعام وحتى في خطب الجمعة وأداء الشعائر الدينية. أمّا القسم الآخر فه والمعتقلات التابعة للجيش وهذه إلى حدٍّ ما أفضل من السابقة .
وكيف يتمّ التدخّل في الشعائر الدينية ؟
- السجّانون يتدخّلون في مضمون خطب الجمعة والوقت المسموح به لأدائها، وعدد الحضور، ففي إحدى المرات أراد مدير السجن معاقبتي في زنزانة انفرادية لأنّي تجاوزت المدة المسموح بها بدقائق، وفي مرة أخرى وقف ضابط السجن على الشبك وبدأ يشير لي بإنهاء الخطبة عندما انتهى الوقت .
التدخّل في كلّ شيء ..
هل من أساليب أخرى للقمع داخل هذه السجون ؟
- السجّانون يحدّدون الزيارات بين الغرف، ولا يسمحون بها بين الأقسام. وبالنسبة لزيارات الأهل فإنّ إدارات السجون تتعمّد وضع الأسير في سجنٍ بعيد عن مكان إقامته وه وما يسبّب المشقة لعائلته وقد يتم اعتقال عددٍ من الأشقاء ويتمّ توزيعهم على عددٍ من السجون، مثلاً قد يوضَع أحدهم في سجن شمال الأراضي الفلسطينية والآخر جنوبها وهكذا .
كيف تصف النشاطات الجماعية بين الأسرى وكيف يقضون أوقاتهم ؟
- فرص الالتقاء الجماعيّ ضعيفة، ومع ذلك يحاول الأسرى أنْ يتغلّبوا على الضغوط النفسية بكثرة القراءة لبعض الكتب المتوفّرة لديهم، وتأتيهم الصحف ثلاث مرات في الأسبوع. ونسبة كبيرة جداً من الأسرى تحوّل الليل إلى ذكرٍ وقيام، فمنهم من يقوم الليل كلّه، ومنهم من يقومه ساعتين أ وثلاثة، والغرف الضعيفة تقوم قبل الفجر بساعة، وبعضهم يقرأ في صلاة القيام خمسة أجزاء أ وأكثر .
ويسمع في هذه الغرف همهمات وضنين القرآن وه وما يذكّرنا بخيام صلاح الدين الأيوبي، وبعضهم يختم القرآن كلّ ثلاثة أيام وخمسة أحياناً، حتى غير المتديّنين يتّجهون نح والدين سواء كان علمانيّاً أ ويسارياً أ وغير ذلك، الجميع يقترب من الدين، إنهم جيل المجاهدين والنصر الموعود بإذن الله ..
سياسة فاشية
ألم تؤثّر سياسة القمع والعزل على نفسيات الأسرى ؟
- نتيجة السياسية الفاشية الظالمة لمصلحة السجون أصبحت بعض العناصر تشعر بالإحباط بسبب القهر والقمع والتحكّم في كلّ شيء، لكنْ مع اندلاع انتفاضة الأقصى دخلت دماء جديدة للسجون وحاولت إحياءها مجدّداً وإنعاش المعتقلين وإعادة بناء الذات، والآن الأسرى في طريقهم لتشكيل قيادة موحّدة لهم وهذا مطلب نحو3500 أسير في السجون المركزية. والمحاولات مستمرّة كون هذا الأمر مطلب الجميع بهدف إعادة ترتيب الصفوف لانتزاع حقوقهم حيث علّمتهم التجربة أنّ إدارات السجون لا تعطي شيئاً إلا تحت الضغط رغم ما يتعرّض له الأسرى من قهرٍ ومعاناة، علماً أنّ هناك أموراً كثيرةً مفقودة ولا تتوفّر مثل الصابون والمنظّفات التي توفّر في المعتقلات التابعة للجيش مجاناً .
عقابٌ لتحفيظ القرآن !!
وكيف يتمّ توزيع المعتقلين بين السجون المركزية ومعتقلات الجيش ؟
- العنوان العام ه وأنّ ذوي الأحكام العالية يوضَعون في المعتقلات التابعة لسلطة السجون، إلا أنّه يتمّ خرق هذه القاعدة، فإذا رصد الجنود في معتقلات الجيش أيّة مخالفاتٍ وعمل ونشاط غير طبيعيّ لأحد الأسرى يتم إرساله إلى السجون المركزية، فمثلاً كنت مع عددٍ من الإخوة المعتقلين ننظّم برامج لتنشيط دورات حفظ القرآن الكريم وتجويده، فاعتبرت إدارة السجن ذلك تحريضاً وقمعتنا بنقلنا إلى السجون المركزية .
آلام وأحزان ...
كيف تركت المعتقلين من ذوي الأحكام العالية ؟ كيف تصف شعورهم ؟
- نسأل الله لهم العون، وحمّلونا رسائل كلّها إنسانية، ويحدوهم أملٌ كبير بالحرية. وفي الحقيقة لا يمكن وصف مشاعر هؤلاء بكلمات، ومع كلّ حديثٍ عن الإفراجات يظلّ هؤلاء ومنهم من قضى في السجون 27 عاماً في انتظار القوائم، وعندما لا يجدون أسماءهم يصابون بما يشبه الصدمة وبعضهم لا يغادر سريره لعدّة أيام، وبعضهم وهم ألوفٌ مؤلّفة أصبح يرى أنّ العالم ليس معه وأنّ البعض قفز على نضالهم وجهادهم ومقاومتهم وتسلّقوا على أكتافهم ثم تركوهم، وكلّهم أملٌ في أنْ يكثر إخوانهم الدعاء لهم، وألا يقصّروا بحقّهم وحقّ عائلاتهم واهتماماً بهم وتنفيذ برامج مكثّفة للتضامن معهم. وحمّلونا رسالةً يقولون فيها : "لا تنسونا ... نحن نعيش في مقابر الأحياء". ويتساءلون : "أين العالم؟ أين السلطة ؟ أين الأنظمة المحيطة ؟ أدركونا في هذه المعاناة" .
ومع ذلك فإنّ البعض هم أصحاب الهمم العالية والجبارة بايعوا على الموت في سبيل الله ويطمعون في وطنٍ ودولة يعيشون فيها بحرية، وبالتالي معنوياتهم عالية، ونحن نستصغر أنفسنا أمامهم ونعيش في عالمٍ اسمه العمالقة .
وما هي الآمال التي تحد والأسرى في مختلف السجون ؟
- تحدوهم الآمال أنْ يغيّر الله الحال، وأنْ ينتبه كلّ من يحمِل ملف الأسرى لهذه القضية وأنْ لا تتمّ أية تسوية حلّ قضيّتهم، وهم يعيشون في مقابر الأحياء، كما يأملون ألا تنساهم الفصائل وألا تتجاوزهم ..
إفراجات منقوصة ..
وما تعليقكم على عملية الإفراج الصهيونيّة الأخيرة ؟
- غالبية المعتقلين الذين أُفرِج عنهم من فصيلٍ واحد، وطالت فقط من بقيَ لهم أيام أ وأسابيع في السجن. وهذه الخطوة لا تكفي ويسمّيها الأسرى ذرّ للرماد في العيون، وهي منقوصة ويفترض أنْ تفعّل اللجان التي اتفقوا عليها وأنْ يكون لها فعلٌ ونتائج .
وما ه وموقف الأسرى من فصائلهم ؟
- المعتقلون يرون أنّ الفصائل كلّها مقصّرة بحقّهم خاصة وأنهم يسمعون الكثير من التعليقات من قادتها بين الحين والآخر دون أن يرَوا أفعالاً حقيقية. ويتساءلون : "أين الفصائل منّا ؟ وإلى أين نحن سائرون ؟" .. ويطالبون بالاهتمام بأبنائهم وعائلاتهم سيّما أنّهم اعتُقِلوا من أجل فلسطين وظلّ أبناؤهم أمانة في أعناق الجميع .
مسؤولية جماعية ...
وما دور علماء الأمة في نصرة قضية الأسرى ؟
- العلماء والمثقّفون والفنّانون كلٌّ يمكنه أنْ يقوم بدوره ويبدع في مجاله، فالعالم يمكنه الحثّ على نصرة قضية الأسرى والحديث عن معاناتهم، وكذلك الكتّاب والمثقفون، ويمكن للفنّانين أنْ يتناولوا في فنونهم الأدبية والمسرحية والغنائية قضية الأسرى ومعاناة أسرهم وعائلاتهم، وبالفعاليات التضامنية يمكن لأبناء الأمة الإسلامية أنْ يقوموا بدورٍ كبيرٍ خاصة إذا شعروا بحجم الأمانة الملقاة على عاتقهم. وحقيقةً هم يتساءلون : "لماذا خذلنا إخواننا ؟!" ..
الدعاء ..
هل من إضافةٍ أخيرة ؟
- الأسرى كلّهم أملٌ بالمستقبل والفرج، ويأملون أنْ تُرصَد الموازنات لهم وتُقام مشاريع كبيرة لصالح نصرة قضيّتهم ويأملون ألا تتجاوزهم أية اتفاقياتٍ مستقبلية، وألا يبخل عليهم إخوانهم بالدعاء ..