تحديد ومضمون.
إن التعابير اللغوية والأدبية تتخبط حول التعريف الدقيق للحرب النفسية،(1) وبصورة عامة فالمقصود هنا هو استخدام وسائل ليست عنيفة (خلال الحرب) لتقريب أهدافها.
وحسب ما سنرى لاحقا فمن الممكن توسيع أو تقليص الفكرة، و تغيير هذا المصطلح حسب الضرورة. وإن مصدر الحرب النفسية التي تشكل قاعدة (حديدية) لا يمكن الخروج عنها، وهذه القاعدة بحاجة للتنسيق الوطيد بين المستوى العسكري والسياسي.
الحرب النفسية لا تحسم الحروب، ولكنها تكون أداة إضافية في جعبة القيادة العسكرية مثل: سلاح الجو، المدفعية أو المدرعات، فمثال ذلك حرب الخليج التي لم تُحسم عن طريق وحدات الحرب النفسية ولكن عن طريق الهجوم الأرضي؛ حيث أدى استسلام عشرات الآلاف من الجنود العراقيين في أعقاب رسائل الحرب النفسية إلى حقن دماء الكثير بالنسبة (لقوات التحالف)، إضافة إلى توفير وسائل قتالية كثيرة. و قد استسلم هؤلاء الجنود بسبب الرسائل التي بثت لهم والتي خففت عليهم مسألة الأسر وعددت لهم خيارات الاستسلام مما دفعهم إلى التغلب على شعورهم بحب الوطن وخوفهم على مصائر عائلاتهم.
وإن ثمن هذا الإنجاز بكل بساطة بيانات من الورق ونداءات عن طريق مكبرات الصوت، وقنابل تمثيلية(خداعية)، وأدت إلى تصاعد موجة الهروب من الجيش والاستسلام بشكل مضطرد كلما تزايدت الانتصارات في ساحة المعركة.
التاريخ والمصطلح
موضوع الحرب النفسية معقد بشكل كبير ومليء بالمشاعر، وفي (إسرائيل) فإن عبء الشعور بشفافية هذه المشاكل خلال هذه الحرب ذات تأثيرات كبيرة بشكل خاص و مختلف.
المسار الأخلاقي
للوعي علاقة بالحرب النفسية مثل الدعاية وغسل الدماغ وسياسة الإغراء (الغوغائية) وما شابه ذلك، وهذه الأفكار تقف بتعارض مع القيم العالمية في أعقاب الثورة الفرنسية، وبالأساس حقوق الفرد الديمقراطية وحرية التفكير وإقناع الجماهير لأهداف سياسية مثل وقت الانتخابات الذي يثير الهواجس و التغرير.
المسار المعنوي أو الدلالي
وقد جدت كلمة (بروبوجندا) أي الدعاية في القرن السابع عشر، وهي اختصار لاسم منظمة أنشئت من أجل مساعدة الكنيسة الكاثوليكية لضم المؤمنين لصالحها، وعملت هذه المنظمة على مستوى العالم. وفي أمريكا الجنوبية كانت هذه المنظمة سببا في تنصير ملايين الهنود الحمر، وحتى هذا اليوم فإن تفسير الكلمة هو "الدعاية".
وفي إطار التحضيرات الحربية في بداية الحرب العالمية الأولى أنشأ الألمان جهازا إعلاميا لجموع الجماهير المختلفة.وعندما انخرط البريطانيون في الحرب أنشأوا جهازا معقدا وذو فاعلية كافية بعد صراعات بيروقراطية داخلية، وحينها كان من الممكن رؤية الفرق بين النظام الديمقراطي والنظام الدكتاتوري، وكانت أكثر الصحف شهرة تقف على رأس وزارتين مهمتين فصحيفة (لوراد بيبر بروك )كانت ناطقة باسم وزارة الحرب الإعلامية . وصحيفة (هولارد نورث كليف )ناطقة باسم دائرة الدعاية المعادية.
وبعد عقدين من الزمن وعلى اثر نشاطات الأجهزة النازية لـ(جوزيف جبلس) وقبول هذا المصطلح (بروبوجندا)كان لها مغزى سلبيا واضحا لم يتحرر منها حتى اليوم، ولقد فهم البريطانيون أهمية استخدام المعلومات بهدف النصر في الحرب، وقاموا بإنشاء جهاز لهذا الهدف، لكن هذا الاسم كوّن مشكلة بسبب استخدام الألمان مصطلح (البروبوجندا) ولذلك اختار البريطانيون مصطلح آخر هو (الحرب السياسية).وعندما دخل الأمريكيون للحرب انشأوا قيادة مشتركة مع البريطانيين وسمي هذا المصطلح الدعائي الجديد باسم (الحرب النفسية).
ووضعت الحرب الباردة أمام الولايات المتحدة مشكلة قديمة جديدة، فمن ناحية (البروبجندا) هي أداة لأنظمة دكتاتورية، ومن ناحية أخرى فإنه لا يمكن تجاهل فاعلية هذه الأداة. فكان الحل الدلالي للمشكلة يتمثل بتغيير المصطلح ليصبح (العلاقات العامة)، والحل المنظم جعل هذه الدعاية في الخفاء وعلى ذلك تم الاستناد إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـ(CIA) والهيئة الجديدة باسم وكالة الإعلام الأمريكية وأنشئت من أجل نشر معلومات .
إن انتشار مصطلح (الحرب النفسية) قد تضائل وتم الاحتفاظ به للنشاطات العسكرية التقليدية، ففي حرب فيتنام تم استعمال هذا المصطلح ضمن نشاطات المسار النفسي وسميت (بالعمليات النفسية) أو باختصار (psyop) وربما بسبب اعتقادهم أن لكلمة (عمليات) دلالة لسلسلة عمليات دقيقة وقصيرة، وهذا المصطلح مستخدم حتى اليوم على الرغم من وجود جهود للبحث عن مصطلح جديد.
دولة (إسرائيل)
في السنوات الأولى لقيام دولة (إسرائيل) اضطر قادتها للتعامل مع مشكلة إيجاد مصطلح للدعاية وبث المعلومات والأفكار، وكان هناك تردد من استخدام مصطلح الدعاية بسبب استخدام هذا المصطلح من قبل النازيين، ورغم ذلك فمن الواضح أن لهذه المعلومات أهمية واضحة في الحرب، والحل الوسط لهذا الأمر تمثل في نقل موضوع الحرب النفسية في المجال العسكري لوحدة صغيرة من شعب الاستخبارات والقطاع المدني من الاستخبارات العامة ، وضمن الحياة المشتركة كانت مهمة تشكيل الرؤيا العالمية من قبل رجال الدولة وهم أول من فهم أهمية الدعاية والمهمة الموكلة لمن يعمل بها، ولذلك كانت هناك نزاعات غير متوقفة في موضوع السيطرة على بث ونشر المعلومات.
ومع بداية حرب الاستقلال بدأ الصراع على الهيكلية والصلاحيات، وفي هذا المجال تم أيضا الاتفاق على حل وسط هو أن يكون مكتب وزارة الخارجية هو المسؤول عن الدعاية الخارجية، والوكالة اليهودية مسؤولة عن الدعاية لجموع اليهود في جميع أنحاء العالم، وقسم جديد هو (مركز الاستعلامات) المسؤول عن الدعاية لسكان الدولة وفي هذا القسم كانت هناك نزاعات كبيرة(2).
إن الاسم الجديد لهذا القسم يعبر عن طريق مأساة استخدام المصطلح، ومنذ حرب الاستقلال مازالوا يستخدمون رسائل من الجيش (الإسرائيلي) ضمن مصطلح الدعاية مثل استخدامات "دعاية التجنيد" الخ.. ومع بداية عام 1949 بدأ استخدام مصطلح "استعلامات"، وهذه الكلمة في لفظها الجديد لا مثيل لها في اللغات الأخرى ومغزاها هو الدعاية والتوضيح، لكن ولأسباب استعارية مجازية كان من غير الممكن استخدام كلمة " الدعاية " من أجل توضيح التصور الذي يضع (إسرائيل) في حالة خاصة وذلك انطلاقا من الاعتقاد بأنه من حق (إسرائيل) الوجود بأمان وسط محيطها .
فرضت (إسرائيل) المصطلح على العالم اليهودي وعلى من كان معها في علاقات دبلوماسية، ووزارة الخارجية عملت في الإعلام الذي سمي باسم "قسم الاستعلامات" ولمدة عدة عقود وحتى الانتفاضة، وفي اتحاد نقابات العمال " الهستدروت" الصهيونية كان هناك قسم بهذا الاسم حتى تم إنهائه في نطاق عمليات تنظيمه من جديد في سنة 1997.
ورغم ذلك فإن كلمة "الإعلام" هي جزء من المعجم الصهيوني العالمي إضافة إلى كلمات أخرى مثل "مبعوث"و "هجرة العودة لإسرائيل". و مما يزيد صعوبة استخدام المصطلح هو استخدام الاختصارات العسكرية مما يؤدي إلى إساءة فهم مهمة الدعاية في الحرب والاختصارات (الإسرائيلية) للكلمات في الحرب النفسية مثل استخدام (ح-ن- أسود) أي حرب نفسية سوداء و (ح-ن –أبيض ) أي حرب نفسية بيضاء.. وهكذا فإن هذا المصطلح يساعد على بلبلة وتشويش الأفكار، علاوة على أن هذه التقنية متخصصة للتوقيع على الرسائل الموجهة، مثل (ح_ن_أيبض) وتعني بيان موزع في ساحة المعركة بختم قائد ميداني محلي يدعو فيه إلى الاستسلام، وأيضا فإن (ح-ن- اسود) بيان مختوم ختما مزورا.
وعلى النقيض يوجد في الجانب الآخر في المفردات العسكرية العربية عدة مصطلحات لها علاقة في الموضوع المعلوماتي(3) "وزارة الإعلام " وتفسيرها " الوزارة الحكومية للإعلام "، وفي دول عربية كثيرة تكون جزءً من الأجهزة الحكومية، وفي الستينات تعلم الفلسطينيون كيفية بداية ونشأة حروب الاستقلال لدول مختلفة مثل الجزائر، وكوبا وفيتنام وقد استفادوا من دراسة هذه الحروب والصراعات، وأطلقوا مصطلح " حرب العصابات " و "حرب الأعصاب" لأبعاد نفسية للحرب، ومن هنا نستنتج أنه وفي المراحل الأولى من الصراع اختار الفلسطينيون إمكانيات مختلفة سرية للأبعاد النفسية للحرب.
الخلاصة: من الممكن القول إن "مصطلح الدعاية" يقع الآن في مراحل عدم الثبات في المفهوم، وإن هدفه بث المعلومات من أجل الحصول على أهداف سياسية، أي المصطلح الدلالي السلبي ولذلك يتم استخدامه بصورة قليلة، أما في (إسرائيل) فيستخدمون مصطلح الاستعلام ضمن مصطلح الحرب النفسية ويستخدمونه لتحديد النشاطات التي لها علاقة بتقريب المصالح ضمن المجالات العسكرية في زمن الحرب، بكن التصور الأمريكي حسب ما سيأتي فقد توسع بشكل كبير استخدام مصطلح الحرب النفسية والاستعلامات السياسية. وسيعرض هذا الفصل لاستخدام المعلومات من وجهة النظر العسكرية والسياسية.