تشرّفت بدعوة شبه عامة وشبه خاصة (من اجل الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز مكانتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني) وبالفعل توجهت الى بيت فتح في رام الله وكان العشرات من قادة الفصائل قد اجتمعوا في قاعة ضيقة .
وبعيدا عن حماس وجمهورها ترأس الاجتماع ابو علاء قريع والذي أكد ان م ت ف هي الممثل الشرعي و - الوحيد – للشعب الفلسطيني وان اكثر من 140 دولة تعترف بها وانه من المفروض ان تكون للجميع وعلينا ان نعملها للجميع عن طريق تعزيز الحوار الوطني .
واضاف : بلا شك أننا جميعنا بكينا وخجلنا مما حصل في قطاع غزة ، ومن محاولة نقل ما يحدث هناك للضفة الغربية في حين لا نزال نعاني من الاحتلال ونبكي على حال القدس وعلى حالنا وعلى قضايانا التاريخية .
واكد ابو العلاء ان المطلوب ان تكون م ت ف هي العنوان الرسمي والشعبي للفلسطينيين في الداخل والخارج ، وان نعمل على ضم قوى لم تنخرط بعد في المنظمة .
المتحدث الثاني كان الدكتور عبد العزيز الحاج احمد ومعه الدكتور جاد اسحق وقد اكدا للجميع على (الثوابت) وعلى ضرورة اقرار مسودة سياسية واختيار لجنة متابعة .
ومن وجهة نظري ان م ت ف هذه الايام ضيّّقة مثل القاعة التي اجتمعنا فيها ، وان محاولة دبّ الحياة فيها ممكنة من الناحية النظرية ولكن ليس بهذا الشكل البسيط الذي جرى تقديمه ، فالمنظمة مثل اية مؤسسة ادارية اخرى لها بعدها الزماني الذي يجب احترامه واعطاؤه حقه ، وقد فقدت المنظمة بريقها ولألأتها فاصبحت مثل قطعة نحاس عتيقة في متحف فاخر – لا أحد ينكر قيمتها ولكن لا احد يرغب في التخلي عن احدث المقتنيات التكنولوجية من أجلها .
وأهم خطر يواجه المنظمة هو توقف خط الانتاج فيها ،اي ماكنة التفريخ التي تلم الاجيال تحت مظلتها ، فهي أشبه بمصنع قد توقف عن الانتاج ، يمكن الحديث عن قيمتها كعقار لكن لا يمكن الحديث عنها كمصنع للرجال وللثورة وللافكار .
في الانتفاضة الاولى كان الشبان الفلسطينيون يقفون في وجه الدبابات الاسرائيلية بمجرد ان يسمعوا اغنية لمنظمة التحرير ، وكان السجانون يكسرون العصي الغليظة فوق عظام الاسرى في سجن كتسيعوت الصحراوي لانهم رفضوا التخلي عن م ت ف ، وكان ان قام رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين بزيارة للسجن وطالب قادة الاسرى التخلي عن م ت ف فصرخ الاسرى في وجهه يهتفون عاشت المنظمة ويسقط الاحتلال .
أما اليوم ، فلا يوجد من يغنّي للمنظمة ، لا يوجد عازف جيتار واحد يدندن لحنها ، ولا مغني يحشرج اغانيها ، ولا جامعة ترفع شعارها ولا عامل يفكر فيها ، فخط انتاجها متوقف تماما وهي مجرد اكبر تجميع للمتقاعدين في الشرق الاوسط .
لا يمكن معاندة التاريخ ، ولا يمكن تغطية الشمس بغربال ، وانا بصفتي مؤيّد للمنظمة ، وباعتباري اراها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ، لا اراها اللممثل الوحيد للشعب الفلسطيني ، فهي الممثل الشرعي ولكن غير الوحيد – ومن ناحية نظرية يمكن اعادة احياء دورها ، ولكن من ناحية عملية لا يمكن ابدا اعادة الماضي الى الوراء .
يمكن إنهاضها عن طريق أخذ خلية حية من D N A المنظمة بهدف انجاب اجسام جديدة وحيّة وشابة من ظهرانيها ، فهي الاب البيولوجي للهيئات القادمة لكنها لا تستطيع ان تكون الاب والابن في ان واحد مهما قمنا بعمليات تجميل وشد للوجه .
ولو كنت قريبا من عضو اللجنة المركزية لحركة فتح – وعلى ما يبدو الرئيس القادم للمنظمة – لاقترحت عليه ان يكف عن محاولات التركيز على الماضي العظيم للمنظمة والقيام بخطوة عملية باتجاه تخصيبها وتزويجها من الاجسام الادارية الوليدة للوصول الى اغضان خضراء في شجرتها .
ففي الواقع ان اعضاء فتح ينشدون الاغاني لفتح ، ويستقطبون الاعضاءالجدد لفتح ، ويفتحون المواقع الالكترونية لفتح ويكتبون الشعارات لفتح ، كما الجبهة الديموقراطية تغني لنفسها وتعمل لنفسها والجبهة الشعبية التي لم يعجبها اداء المنظمة تاريخيا ستؤيد الفكرة ولكنها لن ترمي بنفسها في سلة منظمة عجوز كانت رفضتها ايام المجد والقوة .
ثم ان فتح – وبما ان الحديث في بيت فتح – لم تهتم بعادة احياء منظمة التحرير في السنوات العشرة لوجودها في السلطة ، وباستثناء ابو عمار الذي كان يولي رموز وقادة الفصائل الاخرى بعنايته ، كانت قواعد التنظيمات الاخرى تعاني من التفرد الفتحاوي ، وخصوصا اداء اجهزة الامن التي تعاملت مع قاعدة الفصائل الاخرى وكأنها خصم لدود لها ما يجعل من عملية اقناع قاعدة التنظيمات الاخرى بالاستثمار من جديد في المنظمة امرا صعبا ، فالمطلوب اعادة استرجاع الثقة وليس بناءالثقة ، وبناء الثقة اسهل بكثير من اعادة الثقة .
قاذا كانت فتح تريد فعلا – وبصدق – اعادة منظمة التحرير فانها يجب ان تقبل بميدأ المشاركة وان تعرف ان المشاركة هنا تعني اداريا وماليا وسيكولوجيا وسياسيا .
مع أن قناعتي تقول ان بناء هيكل اداري جديد واسم جديد ينبثق عن منظمة التحرير اسهل بكثير من اعادة امجاد المنظمة العجوز – التي تشبه الاتحاد السوفييتي – سابقا .