أمهات وأخوات يحملن صور الأحبة في سجون الاحتلال (
في الحديث عن الأسرى الفلسطينيين وما يواجهونه في مسلسل الحرمان والعذاب بسجون الاحتلال الإسرائيلي، يقف المرء عاجزا عن وصف ما يجري هناك ابتداء من عصا السجان وحتى الحنين إلى الأهل.
فخلف قضبان أكثر من خمسة وعشرين سجنا يقبع نحو ثمانية آلاف أسير وأسيرة، بينهم الآباء والأمهات، الأطفال والشيوخ، الذين يعيشون حياة تفتقد أدنى الظروف المعيشية التي يمكن وصفها بالإنسانية ابتداء من فراش النوم وحتى لقمة العيش.
معاناة متنوعة
تبكي ابنتها الأسيرة (الفرنسية-أرشيف)
وتتنوع أصناف المعاناة التي يعيشها أسرى البحث عن الحرية، من جوانبها المادية كالاحتياجات والغذاء والصحة وغيرها، وحتى الجوانب المعنوية والنفسية كالعزل سنوات والتفتيش العاري والإهانة وغيرها.
وتختلف السجون، إذ تعتبر المعتقلات الخاضعة لإدارة الجيش الإسرائيلي أفضل حالا من تلك الخاضعة لإدارة سلطة السجون الإسرائيلية. ففي الأولى يسمح بإدخال احتياجات الأسرى وتهريب الهواتف المحمولة أيضا، إلا أن السجون المركزية لا تسمح للأسرى حتى باستبدال الملابس فضلا عن حرمانهم من الهواتف، وتعرضهم لأقسى أنواع الإذلال على أيدي أفراد وحدات القمع التابعة لمصلحة السجون "متسادا"، إضافة لفرض التفتيش العاري عليهم في كثير من الأحيان.
ومع حلول فصل الصيف لا يجد معتقلو سجن النقب سوى الخيمة لاتقاء الحر، أما الحشرات السامة فلا حامي منها سوى الله، إذ تنتشر بكثرة ولا يمر يوم دون العثور على الأفاعي والعقارب، يضاف إليها انتشار حشرة "البق" ذات اللسعة المؤذية التي تخلف أثرها على الأسير أياما، وكذلك الفئران والذباب.
ومن خيمته في معتقل النقب الصحراوي تحدث أحمد الزعتري مدير جمعية أنصار السجين المعتقل إداريا منذ شهور للجزيرة نت، مؤكدا أن الأسرى يعانون من عدم توفر العلاج رغم حاجة العشرات منهم إلى عمليات جراحية، مشيرا إلى وجود طبيب واحد يطلع في اليوم على خمس حالات فقط من بين ألفي أسير.
ويذهب الزعتري إلى أبعد من ذلك حين يؤكد أن إدارة السجن استحدثت أقساما جديدة أطلق عليها الأسرى اسم "الآبار"، حيث يحيط بكل قسم سور بارتفاع 9 أمتار مسقوف بشباك حديدي، فيما تصل درجة الحرارة إلى 46 درجة مئوية، كما لا يسمح بالزيارات بين الأقسام التي تفصل بينها بوابات إلكترونية. مشيرا في الوقت ذاته إلى استمرار احتجاز أكثر من 500 أسير كرهائن دون محاكمة أو لائحة اتهام وهو الاعتقال الإداري.
ويذكر حالات إنسانية مؤثرة لعدد من الأسرى مع أبنائهم، إذ لا يعرف بعضهم أطفاله كما أنهم لا يعرفونه، والبعض الآخر يهوي عليه طفله ليقبله أثناء الزيارة فيرتطم بالحائط الزجاجي، والبعض يتمنى تبادل القبلة مع أطفاله فلا يستطيع.
الحنين للقمر
الخروج من سجون الاحتلال(الفرنسية-أرشيف)
وفي السجون المركزية يزداد الوضع سوءا إذ يحن الأسرى لرؤية السماء وخصوصا القمر في الليل، كيف لا وهم يعتقلون في غرف ضيقة جدا ليس بها سوى نافذة صغيرة في الأعلى مغلقة بألواح من الزينكو لا تسمح بدخول الهواء. أما المياه الباردة فهي نادرة ولا تتوفر سوى نهارا من خلال ثلاجة قديمة في كل قسم يتكون من 200 أسير على الأقل.
ويشير أنس أبو عرقوب الذي أفرج عنه قبل أيام من سجن نفحة الذي يعد الأسوأ بين السجون الإسرائيلية, إلى أن إدارة السجن لا تسمح بإدخال الملابس والأغراض الشخصية، فيما تتم الزيارات من وراء لوح زجاجي سميك ويتحدث الأسرى إلى ذويهم من خلال ميكروفونات لا توصل الصوت بوضوح بل تختلط فيه أصوات الزائرين بأصوات المعتقلين.
ومن الناحية الصحية أوضح أبو عرقوب أن الأسرى لا يتلقون العلاج اللازم، والعديد منهم يصارعون الموت، مشيرا إلى أن أحد الأسرى اعتقل أثناء إصابته في رجله فيما الآخر مصاب بالسرطان، دون أن يقدم لهما العلاج، كما أن العديد من كبار السن يقيمون في مستشفى سجن الرملة.
وأشار أبو عرقوب إلى تعمد قوات الاحتلال اقتحام غرف الأسرى والعبث بمحتوياتها والاعتداء على الأسرى وعزل بعضهم انفراديا سنوات، وحرمانهم من الدراسة وإعاقة التحاقهم بالجامعة العبرية وهي الوحيدة التي يسمح للطلبة بالانتساب إليها.
ومن أشكال المعاناة الأخرى التي تفرضها مصلحة السجون, كما يقول أبو عرقوب فرض غرامات باهظة على الأسرى لأتفه الأسباب كرفع الصوت أو العطس أو النظر لأي جندي بطريقة لا تعجب إدارة السجن، كما أن النزلاء يعانون هناك من سوء الطعام الذي يعده الأسرى الجنائيون الإسرائيليون. ويعاني السجناء أيضا من تحديد خطبة الجمعة بعشرين دقيقة يتم إيقاف الخطيب وعقابه إذا تجازوها