تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
كان «موقف السبق» في المدينة المنورة يشكل معلما من معالمها المهمة ونقطة عبور يسافر منها الحجاج والزوار الى بقية المدن... كان يزدحم بسيارات الأجرة الصفراء التي تشكل مورد رزق لسائقين ليسوا بالضرورة من سكان المدينة. وكان لدى خالي - يرحمه الله - أصحاب كثر من سائقي الأجرة ممن يغيبون ليوم أو اثنين ثم يعودون لنفس الموقف ويبيتون عنده لليوم التالي.. وأذكر على وجه التحديد سائق «شفر 57» يدعى توحة (لا أعرف حتى اليوم إن كان هذا لقبه أم أسمه الحقيقي).. ما أتذكره جيدا أنه كان رجلا صاحب مخيلة واسعة استغل سذاجتي لإرعابي بقصص مخيفة حدثت له أثناء سفره ليلا.. فمن حكاياته المرعبة لقاؤه الدائم بشبح أو جني يراه بجانب الخط يلوح له بمصباح - كلما تجاوزه بمسافة يراه مجددا حاملا نفس المصباح - ... وذات ليلة غلبه النعاس فقرر التوقف جانبا والنوم داخل سيارته لفترة قصيرة. وحين غط في النوم استيقظ على طرق ثقيل يكاد يكسر زجاج السائق.
وحين فتح عينيه شاهد يدا مقطوعة تطرق الزجاج بدون جسد يحملها.. وحين رأى هذا المشهد انطلق بأقصى سرعة حتى توقف في محطة بعيدة ليلتقط أنفاسه ويشرب قليلا من الماء.. وهناك قابل شيخا كبيرا تبدو عليه علامات الصلاح والسكينة طلب منه إيصاله الى مكة. وبسبب خوفه من ظهور «اليد المقطوعة» مجددا رحب بركوب الشيخ معه.. وبعد مسافة قريبه سأله الشيخ عما يرعبه فأخبره بقصة اليد المقطوعة فضحك الرجل بصوت مرعب وفصل يده اليمنى قائلا : مثل هذه...!!!
أذكر حينها أنني هربت من الغرفة فيما استغرق خالي بالضحك ( أما توحة فلم يضحك يوما على قصة رواها )..
ورغم أنني لم أعد أصدق هذه الحكايات إلا أنني أتساءل عن سبب وجود هذه الأسطورة (شبح الطريق) في ثقافات عالمية كثيرة.. فأسطورة شبح الطريق لا تختلف بالنسبة لمسافري البر عن أسطورة الحوريات - وملوك البحر - بالنسبة للصيادين ومسافري البحر. وجميع الحكايات تشترك بوجود رجل (وأحيانا امرأة أو شيخ مسن) يظهر في نفس المكان طالبا إيصاله الى جهة معينة. وأثناء الرحلة يختفي فجأة - أو يكتشف السائق لاحقا أنه يحمل جثة رجل توفي في نفس الموقع - ...
ففي عقد الخمسينيات مثلا انتشرت في أمريكا أسطورة امرأة حسناء توقف السيارات وتطلب من السائق إيصالها لعنوان معين. وبعد مسافة قصيرة تختفي فجأة فيما تبقى حقيبتها على نفس المقعد أو يظل حزام الأمان مربوطا في مكانه. وحين يفوق السائق من صدمته يذهب الى العنوان (الذي وصفته) فيقابل امرأة عجوزاً تخبره أنها حقيبة ابنتها التي توفيت منذ أعوام في نفس المكان..
أما في ماليزيا فتتحدث الأسطورة عن امرأة جنية تدعى ساكيرا تلبس رداء فضفاضا مضيئا تومئ للمسافرين لإيصالها معهم. والسائق الذي يراها ولا يتوقف يفاجأ بجلوسها وراءه (في المقعد الخلفي) الأمر الذي تسبب بحوادث مميتة جعل الشرطة تحذر السائقين من ظهور ساكيرا في منطقة معينة!!
وكثيرا ما تلبس القصة مظهرا دينيا حيث يتوقف السائق لرجل مهيب - أو وسيم - فيسأله عن دينه ويقينه وما إن كان يؤمن بالآلهة أو يوم الحساب ثم يغادر السيارة تاركا رسالة رقيقة مفادها (لقد نجحت في اختبار يسوع ، أو هنيئا لك أصبحت من أبناء بوذا)!
أما في رومانيا فتتحدث الأسطورة عن طفل صغير يراه المسافرون في آخر يوم من كل عام.. وحين يحمله أحد السائقين يطلب منه الطفل إيصاله لمنزل عائلته قرب مقبرة المدينة. وما أن يقترب السائق من المقبرة حتى يجد في انتظاره حشداً كبيراً من الناس يقطعون عليه الطريق. وحين يلتفت الى الطفل يكتشف أنه ميت أصلاً ولم يبق منه غير عظامه.. ومن فرط رعبه يخرج من السيارة وهو يصرخ فيلحق به رجل يهدئ من روعه قائلا : نحن أهل الطفل وفي مثل هذا التاريخ يخرج من مقبرته ويعود إلينا بهذه الطريقة