هذه الخاطرة خاصة جدّاً.
كيدُ النِّساء.
كيدٌ جارحٌ ظالم، لا يعرِفُ الرّحمةَ والحُب،
كيدٌ قاسٍ مؤلم، هادِمٌ لكلِّ معانِي الصدقِ والوفاء،
كيدٌ معتدٍ مجرم، لا يفهمُ إلا لُغةَ الغدر،
نعم، لغةُ الغدر، ويا لها من لغةٍ عاتيةٍ طاغيةٍ ساقطة،
إلى متَى ونحنُ الرِّجالُ نتجرَّعُ كؤُسَ المرارةِ من كيدِ النِّساء؟
إلى متى ومَشاعَرُنا كالّدُمَى تتلاعبُ بها الخائناتُ منهن؟
إلى متى نَمدُّ لهنَّ أيادِي التّفانِي والإخلاص؟
كيدُ النِّساءِ ليسَ لهُ بدايةٌ ولا نهاية، سيَظلُّ إلى الأبَدِ شبَحاً يُزلزِلُ قلُوبَنا النَّقيَّةَ الصّافية،
لن يستكِينَ أمامَنا، لن يُسلِّمَ لنا، لن يرحمَنا، بل سينتهِزُ أيَّ فرصةٍ سانحةٍ ليَفْتِكَ ويبطِشَ بأحاسيسِنا،
مسكِينٌ أنتَ أيُّها الرّجُلُ الصادقُ الوفِي، مسكينٌ مسكينٌ مسكين،
تبذُلُ كلَّ شيءٍ ولا تجِدُ مقابلاً لذلك أيَّ شيء!
تنظِّفُ قلبَكَ من الخيانةِ ولا تجِدُ منها غيرَ الخيانة!
تفرِّغُ حياتَكَ وزمانَكَ لها ولا تجدُ إلا النُّكرانَ والجحُود!!!
إذَن أنتَ بالفعلِ مسكين، لأنّكَ مهما فعلتَ تجاهها فستكافؤُكَ بسِكِّينٍ يطعَنُكَ في قلبِكَ الرَّقَيقِ الطيِّب ،
أما تذكُرُ يا مسكِينُ ما فعلَت امرأةُ العزِيزِ في نبيِّكَ الكريمِ يوسف؟
ألمْ يُسجنْ بسببِها؟ ألمْ يُتَّهَمْ ويُظْلمُ بفضلِ كيدِها وجبرُوتِها؟
فعليكَ إذَن ألّا تنتضِرَ منها وفاءً، ولا صدقاً، ولا حُبّاً، ولا شكراً، ولا تضحِيةً، ولا ......
واسمع لقولِ المتنبِّي الذي عرفَ سرَّ النِّساءِ وكيدَهن:
إذا غدرت حسناءُ وفَّت بعهدِها،
فمِن عهدِها ألّا يدُومَ لها عهدُ.
ولكنْ، خبِّرِينِي أيّتُها المرأةُ المتعجرِفةُ: ماذا تريدين؟ عمّا تبحَثِين؟
أترِيدِينَ أن تعِيشِي أنانيّةً جاحدةً في كلِّ وقت؟
أَم تريدينَ أنْ تكُونِي غادرةً ناقمةً لا تَكِلِّينَ ولا تَمِلِّين؟
إنْ كُنتِي تبحثِينَ عنِ الإخلاصِ فقد وهَبْناهُ لكِ، وإنْ كُنتِي تبحثِينَ عنِ الأمانِ والاستقرارِ فقد جئنا بهما إليكِ؟
أليس الرَّجُلُ مَنْ يشقَى لأجلكِ؟ أليسَ يبذلُ الغالي والنّفِيسِ ليُرضِيَكِ؟
أنا أعلمُ أنَّكِ تقِرِّينَ بفضلِهِ عليكِ، ولكنّ غرسَ الشَّيطانِ لا بدَّ وأنْ يمسَّكِ إلا ما رحِمَ ربِّي،
إذَن فلْتعلَمِي يا مَن تتَّصِفِينَ بكلِّ هذه الصِّفاتِ أنَّ الرَّجُلَ الكرِيمَ لنْ يمنَحَكِ فرصةً لتسخَرِي منه، أو لتعبَثِي بحياتِهِ وسعادَتِهِ،
واسمحيلي أن أطلُبَ منكِ طلباً وأرجُو أن يتحقّق:
ارحلِي عن دنيانا إلى الأبَد، ارحَلِي فليس للجُرحِ والخيانةِ مكانٌ بينَنا،
ارحلِي ولا تَرجِعِي إلا إذا رَجَعَ الزّمانُ من جديد، ارحلِي وسنُوصِدُ خلفَكِ الابوابَ بمقالِيدَ من حديد.
وأحِبُّ أنْ أَختِمَ هذه الخاطرةَ بأبياتٍ لأحدِ الذين ذاقُوا كَيدَ النِّساءِ ومكرَهن:
نَعم إنِّي شرِبْتُ الحُبَّ خَمراً،
وأغوانِي فأخلفتُ المَسارا.
فصارَ بيَ الزَّمانُ زمانَ قَيْسٍ،
وَلَيلَى بُغْيَتِي دُونَ العذارَى.
أَمُوتُ لأجلِها ضَيْماً وحُزْناً،
وتسكُنُنِي كَمَنْ سكنَ الديارا.
أغنِّيها علَى لحنٍ شجيٍّ،
وترقُصُ في مخيِّلَتِي جِهارا.
مَضَيْتُ لحُبِّها عاماً وعاماً،
وعامٌ ينقَضِي والحَوْلُ دارا.
ورُوحِي تنتَهِي شيئاً فشيئاً،
وليلَى لمْ أحقِّقْها انتِصارا.
ولَيْلٌ بَيْنَما قلبِي يُغنِّي،
علَى لحنِ المُحِبِّينَ السَّهارَى.
صحَوْتُ من الحماقةِ حِينَ قالوا،
يمُوتُ الحُبُّ من كَيْدِ الصِّغارا.
علِمتُ بكَيْدِها وربطتُ جأشِي،
عنِ الدُّنيا وأسدلتُ السِّتارا.
وعَيْبِي أنّنِي في الحُبِّ صادِق،
ولمْ أُعْطِي سِوَى ليلَى اعتِبارا.
ولمْ أعلمْ أنَّ لها مُحِبّاً،
سِوايا وحالَتِي صارت دَمارا.
إلى اللقاء مع خاطرةٍ قادمةٍ أرجُو أنْ تكُونَ خاليةً من الغدرِ والجَوْر.