رحيل القائد العام للثورة الفلسطينية، قائد منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسس العهد الفلسطيني، وتاريخه المعاصر، رمز القضية المستحيل، التي كانت حرية فلسطين وشعبها هاجساً كبيراً في حركاته وتحالفاته وحربه وسلامه، عبر مراحله النضالية الطويلة، التي قاربت من نصف قرن، كان أبو عمار الزمان والمكان والقرية والمدينة والمخيم والزعيم الروحي، هو أبو فلسطين معتمراً كوفيته التي تأخذ شكل خارطة فلسطين وبزته العسكرية التي هي رمز العزة رافعاً غصن الزيتون بيد والبندقية باليد الأخرى.
كان لديه متسع للخلاف والاختلاف، ممتلكاً القدرة على التمسك بالصواب والعودة عن الخطأ، محترماً في ذلك رأي معارضيه، دون أن يولي لهم أي حقدٍ أو ضغينةٍ، فقد كان صاحب نظريات الأبواب والآفاق المفتوحة للجميع لمن يرغب الدخول للسلطة الوطنية، أو لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو عبر مؤسساتهما، مدركاً تمام المعرفة لواجباته تجاه شعبه مولياً أهمية كبرى للوحدة الوطنية، كونها الطريق الوحيد لاسترداد حقوقنا الوطنية.
بالتأكيد هكذا هم أبناء الفتح الذين نشأوا على يدي المؤسس والمعلم الأول، الشهيد الخالد " ياسر عرفات" الذي علمهم نمط الحياة الاعتيادية، متسامحين متحابين ومتدينين ومتعصبين، وعلمانيين تجدهم يجاملون كافة الطوائف والدينات السماوية والأحزاب دون تمييز بين هذا وذاك، رغم كل الرياح والتقلبات.
فقد أمتلك أبو عمار سمات الزعامة على أرضية الفعل النضالي في عمق الجغرافية الطبيعية والسياسية الفلسطينية والدولية، فقد كان البيت الفلسطيني وشرعية القرار في حال حدوث مكروه لا قدر الله.
رحل وهو مؤمن ومطمئن على شعبه بإخلاصه في استكمال مشواره وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف التي هي حلم ونهج كل فلسطيني، ضمن دولة تسودها العدالة والحرية والديمقراطية على مختلف مؤسساتها، نعم إنها دولة القانون الواحد، ترفع علم الجميع في ظل علم واحد، إنها سلطتنا الوطنية الفلسطينية ورئيسها، اللذين انتخبا من قبل جماهير شعبنا الفلسطيني، حتى نكمل مشوار من سبقونا، نحو تحقيق الحلم الفلسطيني الكامل، دون كلل أو ملل، ورغم كل المراوغات والحجج الإسرائيلية.
نعم تأتي هذه الذكرى الغالية على نفوسنا ونحن نستذكر مقولة شهيدنا الخالد " لقد خضنا أطول ثورة في العصر الحديث، امتدت أعناقها وجذورها، في كل مكان في العالم، لذا لا يستطيع كائن من كان أن يزيل وجودنا عن هذه الأرض المقدسة "
كما نستذكر شعارك الدائم " ليس منا وليس فينا من يفرط بذرة تراب من أرض فلسطين "
عاشت فلسطين وشعبها الأبي، فكم من مرة قتلت فلسطين وكم من مرة قُتِلت، ولكنك لم تمت كشعبها العظيم، عندما أنقسم الوطن من نكبة اغتصاب فلسطين عام 1948م، وحرب 1956م، ثم بعد هزيمة الجيوش العربية عام 1967م، ومن بين مأساة أيلول الأسود وحصار بيروت وصبرا وشاتلا، إلى حصارك في رام الله، عبوراً بعشرات المحاولات الفاشلة، التي كنت تخرج منها كالسور الشامخ برعاية الله، ولكن إرادة الله فاقت عنادك وإصرارك بأن ترحل بخطب إعلامي وتاريخي كبير، يا من عز نظيرك في هذا الزمن الرقيق، رحلت عنا وتركت جملة من الأسئلة عالقة حول حقيقة رحيلك.
نعم رحلت ونحن نستذكر أصوات الباكين حسرة وألماً، عندما لبست فلسطين ثوب الحداد، نستذكرك ونحن ما أحوجنا إليك كي تعزز وحدتنا الوطنية، التي نستشعر بأهميتها في هذه اللحظات التاريخية والمصيرية من تاريخ شعبنا، نحو تحقيق آمالك التي وضعتنا على أبوابها.
إن إصرارك على الثوابت الفلسطينية جعل العدو الصهيوني والمتأثرين معه في حيرة لا تغمض عيونهم يحيكون المؤامرات ونشر الشائعات والتهديدات بالقصف والقتل والاجتياح، ورغم كل هذا كانت إرادتك وإرادة شعبك أقوى وأصلب من كل ذلك