الحواجز الإسرائيلية: انسداد دائم في شرايين الحياة والاقتصاد

الكوفية برس - الحياة اللندنية -
كان المشهد عند حاجز حوارة على مدخل مدينة نابلس أول من أمس ملخصاً لـ«دراما الحواجز» التي يعاني منها الفلسطينيون في الضفة الغربية، ففي ثاني أيام عيد الفطر، اصطف آلاف المواطنين وعشرات السيارات لساعات في انتظار أي إشارة من بضعة جنود إسرائيليين يقفون على الجانب الآخر في حراسة زملاء لهم في أبراج مرتفعة وخلف سواتر أسمنتية، لا يُرى منهم سوى بنادق مشرعة.
المواطنون يتدفقون، مترجلين وراكبين، كما السيل في هذه المناسبة التي تزداد فيها الزيارات وصلة الأرحام. والجنود، من جانبهم، يسمحون لهم بالمرور بقدر ما تسمح به القطّارة لقطرات الماء. يتصاعد الغضب، ممزوجاً برائحة العرق، ولا خيار سوى الانتظار. يطلب الجندي ممّن يصيبه الدور التقدم وإخراج كل ما هو معدني في حوزته، والمرور من بوابة فحص المعادن.
وفي المرحلة التالية، يقدم المار بطاقته إلى جندي آخر للتدقيق فيها. وثمة من تُفحص بطاقته على الحاسوب، وثمة من يُقارن رقم بطاقته مع لائحة بأرقام «مطلوبين». وثمة من يمر من دون تدقيق، وهؤلاء غالباً ممن تزيد أعمارهم على الخامسة والأربعين.
عبثاً، حاول ثلاثة أكاديميين يابانيين جاؤوا لزيارة نابلس، إقناع الجنود بالسماح لهم بالمرور، فاضطروا إلى الوقوف مع مئات المنتظرين المحتجزين.
«جرّب أن تكون فلسطينياً ليوم واحد، تعش ما يعيش»، تقول لأحدهم ممازحاً. وتحدثه عن مسرحية عرضت قبل سنوات في رام الله بعنوان مقتبس: «ابتسم، فأنت فلسطيني» التي قدمت مفارقات مضحكة عن الحياة القاسية التي يعيشها الفلسطيني تحت الاحتلال والحصار.
يطلق الواقفون نكاتاً على الجنود الذين يُخضعون اليابانيين للإجراءات نفسها التي يخضع لها الفلسطينيون. «ربما كانوا مطلوبين. قد يكونون من كتائب الاقصى أو من حماس».
تتعاطف مع اليابانيين وهم يُعتَصرون بأجسادهم الصغيرة في الاكتظاظ الفلسطيني الشديد. وعندما يأتيك الدور تُحاول إقناع الجندي بالسماح لهم بالمرور لأنهم «يابانيون لا صلة لهم بأي شبهات فلسطينية». لكنه يرفض بعجرفة المسيطر، فلا تجد سوى أن تعتذر لهم قائلا: «لم ننجح. ابتسموا فأنتم اليوم فلسطينيون».
يضحك أحدهم بعد أن يُنهي إجراءات الفحص، وهو أستاذ كبير في العلوم السياسية جاء لإجراء بحث عن فرص التسوية السياسية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. يقول: «هنا الفاصل بين التراجيديا والكوميديا».
وفي ممر السيارات، ينتظر بعضهم ساعات طويلة، وعندما يأتيه الدور يسأله الجندي إذا ما كان يحمل «تصريح حواجز»، وعندما يكتشف أنه لا يحمل مثل هذا التصريح، يطلب منه العودة من حيث أتى.
في أول أيام العيد، سمح الجنود بدخول السيارات إلى نابلس، لكنهم رفضوا السماح لأي سيارة بالخروج من دون تصريح. مئات الآتين من رام الله أو من القرى لزيارة أقاربهم في نابلس علقوا داخل المدينة، والحل الوحيد الذي وجدوه هو سلوك طريق التفافي بطول 50 كيلومترا، يعيدهم إلى النقطة التي منعهم الجنود من الوصول إليها عبر حاجز حوارة.
تتساءل بمرارة: «إذا كانت إسرائيل تمنع هذه السيارات من المرور خشية على الأمن، فأين هو الأمن عندما تقطع تلك السيارات عشرات الكيلومترات في طرق جبلية وعرة لتصل إلى الطريق نفسها التي مُنعت من الوصول إليها عبر الحاجز؟ أليست المستوطنات هي المستوطنات؟ ألن يقدم شخص ما على ما عزم عليه بعد هذه الطريق؟ ألم يكن أفضل لأمنهم أن تمر السيارة من تحت أيديهم وتُفحص، قبل أن تذهب في طريق التفافي لا فحص فيه؟».
أسئلة كثيرة تدور في خلد المارين من هنا، ولا إجابة لها سوى أن كل ما تريده إسرائيل هو تحويل حياتهم إلى جحيم. فساعات الانتظار الطويل على الحواجز العسكرية المقامة على مداخل المدن والقرى ترهق القلوب والأرواح والاعصاب، وتغذي النزوع إلى العنف بأشكاله المختلفة، العائلية والسياسية.
دور أكبر تؤديه الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تزيد ولا تنقص (بلغ عددها أخيراً 630 حاجزاً) هو سد الطريق أمام الاقتصاد الفلسطيني. وكانت الحكومة الفلسطينية عقدت أخيراً في مدينة بيت لحم مؤتمراً لتشجيع الاستثمار الخارجي. لكن خبراء الاقتصاد يقولون إن أي استثمارات جدية لن تأتي من الخارج طالما بقيت الحواجز العسكرية الإسرائيلية تعيق حركة الأفراد والبضائع على هذا النحو.
وحسب تقرير أخير للبنك الدولي، فإن نموّ الاقتصاد الفلسطيني العام الحالي وصل إلى صفر في المئة. وكان الاقتصاد الفلسطيني حقق نمواً لافتاً وصل إلى 8 في المئة عام 1999، وهو العام الذي سبق الانتفاضة. لكن هذا النمو سرعان ما تهاوى تحت إجراءات حصار وقيود قلّ نظيرها في التاريخ.
وأدى الإنفاق الحكومي في السنة ونصف السنة الماضية إلى نمو طفيف في الاقتصاد عقب تقديم دعم دولي سخي لحكومة تسيير الأعمال بقيادة الدكتور سلام فياض. لكن خبراء الاقتصاد يقولون إن هذا النمو لا تأثير له على عجلة الاقتصاد لأنه ناتج عن الإنفاق وليس الاستثمار.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت الدكتور نصر عبدالكريم إن «حكومة فياض أنفقت منذ تشكيلها منتصف العام الماضي 3،5 بليون دولار، وهو أعلى معدل دعم تحظى به حكومة فلسطينية من الدول المانحة منذ تأسيس السلطة، لكن المستثمرين سيظلون يترددون في الاستثمار هنا ما بقيت الحواجز والقيود الإسرائيلية».

:111: