ضابط الاديان السابق في الادارة المدنية الاسرائيلية: هكذا اقمنا حركة حماس
نشر الكاتب الاسرائيلي الموغ بوكر في صحيفة هآرتس الاسرائيلية تحقيقا صحفيا بعنوان هكذا اقمنا حماس تناول خلاله ما اسماه بالدور الاسرائيلي في تسهيل اقامة حركة حماس وكيفية منحها الترخيص اللازم للعمل من خلال المجمع الاسلامي الذي افتتح رسميا عام 1979 وتحذير قائد الشؤون الدينية في الادارة المدنية من مثل هذه الخطوة الذي اعتبرها "كمن يربي غولا في حديقة منزله" وهذا نص التحقيق :
قرر قائد الشؤون الدينية أفنير كوهين عام 1979 عدم المشاركة في الحفل الذي منح فيه قائد مدينة غزة رخصة اقامة المجمع الاسلامي حيث ادرك بان اسرائيل تربي غولا لن تستطع السيطرة عليه وذلك خلافا لما اعتقده الجميع انذاك ، وحصلت الحركة الجديدة على ختم العمل الرسمي.
الشخص الذي اقام حركة حماس والمسمى باحمد ياسين لم يكن معروفا حينها ولا يزال كوهين الذي عمل في الواقع وزيرا للاديان في قطاع غزة من عام 1974-1994 يراقب من بيته الذي يبعد عشرة كيلومترات عن قطاع غزة ويسأل نفسه هل كان يستطيع فعل شيء أكثر للتحذير من اقامة المنظمة التي أصبحت حركة حماس وقد فعل غير قليل حيث تنبأ تنبؤاً دقيقا بما يحدث اليوم في القطاع وحذّر من ذلك في رسائل أرسلها الى كل الجهات ذات الصلة.
وجاء في وثيقة نقلها كوهين الى رئيس "الشباك"، والى المستشار القانوني للحكومة، والى رئيس الادارة المدنية في الثاني عشر من حزيران 1984 ما يلي: "يتخذ نشطاء المجمع اسلوبا خمينيا عنيفا فهم يستعملون وسائل مضايقة وتخويف، مع ذياع صيتهم بين السكان المحليين، في حين يملكون ميزانيات غير محدودة إن استمرارنا في غض الطرف عنهم أو توجهنا المتسامح من المجمع قد يكون في غير مصلحتنا في المستقبل يجب العمل على إبعاد هذا المارد قبل أن يصفعنا الواقع على وجوهنا".
لكن لم يُصغ اليه أحد. "قلت ما عندي، لكن الجميع كانوا ساذجين وحسبوا انهم سينجحون بتقوية ياسين لاحباط قوة م.ت.ف".
لقد بدأت قصة حماس قبل ذلك بكثير ، فقد وافقت الحكومة كجزء من اتفاق كامب ديفيد على منح سكان المناطق حكما ذاتيا اداريا وفور ذلك بحثت الحكومة بكل جهد عن شريك يتبنى فكرة الحكم الذاتي، لكن م.ت.ف، برئاسة ياسر عرفات، رفضت الفكرة ألبتة زاعمة أنها إهانة للذكاء الفلسطيني وهنا دخل الصورة الشيخ احمد ياسين "انه شيخ كما أنا كاهن"- يقول كوهين وبسمة كبيرة على وجهه-. "ظهر ياسين أمام الادارة العسكرية وابلغها استعداده ليكون شريكا و يتبنى فكرة الحكم الذاتي".
وقال كوهين " اظهر وزير الدفاع آنذاك عيزر وايزمن حماسا كبيرا للشريك الجديد وفعل كل شيء لتنفيذ الاجراء، كان للياسين طلب واحد فقط: تمكين الرابطة التي أقامها، المجمع الاسلامي، من أن تُسجَّل كجمعية عثمانية. أدرك كوهين، الذي بواسطته سيطرت الدولة على المؤسسة الدينية في القطاع، أدرك سريعا جدا الى أين تهب الريح: "قرأت دستور الرابطة وكان الأمر في ظاهره يبدو مثل تحقق الحلم الصهيوني. لكن بين السطور، وعلى حسب سلوك اعضاء الرابطة في الميدان، أدركت أن هذه أزمة كبيرة".
نقل كوهين معارضته الصارمة الى السلطات المعنية خطيا وقال فيها : "المجمع الاسلامي منظمة عليا سياسية تستعمل الخلايا على هيئة جمعيات انه يستغل كل اجراء قانوني وديمقراطي ويلف نشاطه في غطاء ديني – اسلامي، يعمل المجمع عملا منهجيا ومُحكما، ويكفي أن نرى انتشاره الجغرافي وقوته في الاوساط المختلفة، وبخاصة في الجامعة الاسلامية".
وأرفق كوهين بالرسالة المذكورة اعلاه رأيا استشاريا لأفراد المؤسسة الدينية الاسلامية الذين كتبوا فيه "هذه الجهة ليس هدفها دينيا اسلاميا، بل انها تعمل في الكيد للمؤسسة الدينية بوحي من حركة الاخوان المسلمين، التي ممثلها البارز هو رئيس الرابطة احمد ياسين. قد تخدمكم الجمعية في الأمد الحالي، لكن في الأمد البعيد ستندمون لاعطاء رخصتكم لاستعمالها وستذكرون جيدا انه لن يُجديكم أي ندم" و رغم ذلك، أجازت الادارة طلب ياسين جعل منظمته مؤسسة وبعد ذلك بثمان سنين غيّرت المنظمة اسمها الى حماس.
وبين كوهين ابن الثالثة والستين بعد ان صب القهوة الغزية للصحفي كيف اقاموا حماس بايديهم وقال "هذه الحركة نتيجة فعل ايدي جهاز الادارة المدنية لقد أصبح ياسين حبيب السلطة الاسرائيلية واستغل ذلك للسيطرة على القطاع وليسلب المؤسسة الدينية التي تعاونت مع الادارة الاسرائيلية الشرعية الدينية. الى اليوم لا يدرك اصدقائي، الذين اعتُبروا أكثر الناس احتراما في غزة، كيف فعلت السلطة الاسرائيلية ذلك".
س: لماذا تجاهلت قيادة السلطة الاسرائيلية رأي رجال المؤسسة الدينية الاسلامية؟
ج- يجيب كوهين بعد ان تنهد عميقا انه الجهل لم يفهم أحد أن الديانة الاسلامية كانت وما تزال الى اليوم المركز العصبي لجهاز السلطة. حسبت السلطات في اسرائيل الأمر لعبة أولاد. لم تدرك ثقل وزن الاسلام بين المسلمين".
ولم يكتف كوهين برسائل الى السلطات في اسرائيل ونقل رسالة حادة وواضحة الى ياسين ايضا. ففي خطبة بالعربية خطبها في تموز 1986 أمام 500 من وجهاء غزة هدد كوهين المنظمات المتطرفة وقال : "لن تسمح السلطات لأي جهة باستغلال المساجد لأهداف سلبية مثل تأجيج الغرائز وتدبير المكائد، مع استعمال الارهاب والعنف و ستكافح الادارة كل تطرف ديني يتم اكتشافه ، وأقصد الى الفصائل المسماة الجماعات الاسلامية والتي تستعمل الدين كغطاء لنشاط الكيد غير السليم والمؤلب".
المساجد التي أقامها احمد ياسين مكّنت كما يقول كوهين من نقل اموال مصدرها جهات معادية في خارج البلاد حيث كتب الى المسؤولين عنه محذرا "منذ سيطرة الجيش الاسرائيلي على غزة بُني 78 مسجدا، أي سبعة أضعاف العدد الذي بُني في فترة الحكم المصري".
لكن فؤاد بن اليعيزر الذي كان آنذاك منسق العمليات في المناطق ويشغل اليوم وزارة البنى التحتية، رأى كثرة المساجد تعبيرا عن حرية العبادة والدين واضاف كوهين "قلت له إن الانشغال بالله أشد خطرا من الانشغال بالارهاب لان الجيش الاسرائيلي والشباك سيصدانه لكن ما يحدث في المساجد لن يوقفه أحد".
س: كيف كان يجب على اسرائيل أن تتصرف؟
ج: قبل كل شيء أن تسمع لرأي الناس في الميدان لقد ضلل ياسين المستوى السياسي، وابتلع المستوى السياسي ذلك ونقل الأمر قُدما الى المستوى العسكري كان يجب منع تحوّل المجمع الى جمعية عثمانية، ومنع تدفق الاموال من الخارج وتعزيز القادة ذوي التفكير السليم، المذنبون الرئيسون لذلك هم وزراء الدفاع الذين تولوا اعمالهم في السبعينيات والثمانينيات اذ لم يرسموا سياسة واحدة وكل واحد منهم فعل ما شاء من غير أن يُشاور المتخصصين.
ويعكف كوهن في هذه الايام رغم تنقله من محاضرة الى اخرى بوصفه خبيرا في الشرق الاوسط والحضارة الاسلامية على اعداد كتاب بعنوان "إنقلب السحر على الساحر".
ويواظب كوهين الذي زار القطاع لآخر مرة قبل نحو ثلاث سنين على الاتصال الهاتفي برجال الدين في غزة الذين عبروا له في مكالماته الاخيرة عن شوقهم للحكم العسكري الاسرائيلي .
وختم كوهين حديثة بالقول ان ما يمر اليوم على رجال الدين في غزة امرا فظيعا ورهيبا لقد اصبحوا يفضلون الاحتلال حيث حافظوا على الأقل على كرامتهم وأعالوا عائلاتهم، انهم يتهموننا اتهاما غير مباشر عن الوضع ويسألون: لماذا أقمتم حماس لنا؟".