عميدة الأسيرات الفلسطينيات سونا الراعي
عميدة الأسيرات الفلسطينيات لـ«الشرق الاوسط»: خائفة من لقاء ابني بعدما شاهدته يكبر عبر الصور
تستعد سونا الراعي، 40 عاما، عميدة الاسيرات الفلسطينيات، التي اطلق سراحها يوم الاحد الماضي، بعد 11 سنة قضتها في الاسر الاسرائيلي، لتجد ابنها الذي تركته وعمره 3 سنين شابا. الا انها لا تخفي انها كانت تخشى ملاقاته بعدما راقبته يكبر عبر الصور فقط. وهي في ذات الوقت لا تزال تتلقى التهاني بالافراج. وقالت لـ«الشرق الاوسط» انها لم تكن تتوقع هذا الحضور الكبير. واضافت «انا متفاجئة، كل(مدينة) قلقيلية، جاءت للسلام علي، الذين اعرفهم ولا اعرفهم، بعضهم تذكرته فورا وبعضهم لا».
وعادت الراعي التي كانت تتحدث من منزل شقيقها بقلقيلية، للحديث عن ابنها وهو شغلها الشاغل «انا خايفة ومش سهل علي ان اقول له بعد 11 سنة، مرحبا انا امك.. الامومة احساس، وهو افتقد هذا الاحساس لـ 11 سنة». يتغير صوت سونا، الام، وهي تتحدث عن ابنها الذي شاهدته مرة واحدة، بعد اعتقالها بسنتين لظروف عائلية لم ترغب بالخوض فيها. والتواصل بينهما كان فقط عبر الصور وبعض الرسائل المكتوبة.
تتحضر سونا للقاء ابنها محمد الذي يعيش في محافظة اخرى، ومن المقرر ان يصل في اي لحظة، بدت مرتبكة الى حد كبير. وقالت «زارني مرة واحدة وراقبت نموه عبر الصور». لم تشف الصور غليل الام المعتقلة. واضافت «انا كنت لما اشوف الصورة اتفاجأ انو كبران، ما كنت اعرفه، انا بعرف ابني الطفل ما بعرف اللي بالصورة، ما كنت اعرفه، هاي الصور كنت استغرب منها». هذا الشعور بالغربة عمق من شعور الراعي بافتقادها «تجربة الامومة».
وقالت «افتقدت الامومة وحاولت ان اعوضها مع الاسيرات الزهرات». كان فارق السن بين سونا التي بلغت الاربعين وبعض الاسيرات في عمر الزهور، (من 15 عاما وفوق) يسمح لها بممارسة هذا الدور الذي احبته وافتقدته. واليوم فهي تحمل الكثير من الامنيات تجاه ابنها، وقالت «امنيتي ان اتعرف على ابني الشاب». وتابعت «عندي لهفة اني اشوفه واتعرف عليه وأربيه». ولا تعرف سونا اذا ما كان ابنها سيقبل بالبقاء لديها او لا. وقالت «انا لم اسأله، كنت اخشى من ان يجيبني بطريقة تصدمني. لكن انا اتمنى طبعا». ورغم هذه المخاوف فانها تصف علاقتها بابنها الوحيد بالممتازة وقالت «كان يفتخر بي لكن انا بالنسبة له انسانة غريبة، ما عرفني كأم».
ومن بين امنيات سونا الاخرى ان تلتقي بصديقاتها ورفيقات السجن الواحد. وبرغم فرحتها التي بدت منقوصة بالتحرير، فانها تفتقدهن كذلك. وقالت «في كل خطوة او حركة او عمل اتذكر ماذا يصنعن الاسيرات الان، وكيف كنا نعمل هذه الاشياء». ولا تتذكر الراعي يوما يمكن ان تصفه بانه سعيد داخل السجون الاسرائيلية، باستثناء يومين، «عندما زارني ابني بعد سنتين من الاعتقال وعندما زارني شقيقي قبل سنتين من الافراج» ومعظم السنين التي قضتها سونا كانت ممنوعة فيها من الزيارة. اعتقلت الراعي، عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في 11 ابريل (نيسان) 1997 بتهمة اطلاقها النار على جنود اسرائيليين على جسر اللنبي (الكرامة). لم تكن هذه عملية الاعتقال الاولى لكنها الاطول والاقسى. أما المرة الاولى فكانت عام 88 ولمدة اسبوعين، بهدف الضغط على شقيقها ابراهيم الراعي الذي كان تحت التحقيق بتهمة مسؤوليته عن قيادة الجناح المسلح للجبهة.
كانت سونا قبل اعتقالها تعمل في لجان المرأة الفلسطينية، وتملك ستوديو للتصوير. وتخطط الان لاستكمال دراستها الجامعية، لكن الاهم بالنسبة لها هو ان تعيش مع ابنها. وتريد سونا دراسة علم النفس وقالت «انا بحاجة وكل ابناء شعبي لدراسة علم النفس». واتخذت سونا قرارها بدراسة تخصص علم النفس وهي في السجون. وقالت «ان التعذيب النفسي الذي شاهدته ويتعرض له الاسرى هو الذي دفعني لعلم النفس.. اما التصوير فنسيته».
وبعد 12 عاما، لم تفقد سونا الثقه بالتنظيمات الفلسطينية كما غيرها، وقالت «انا مؤمنة ان التحرير يتم من خلال النضال عبر هذه التنظيمات». وقبل ان تتحدث اليها «الشرق الاوسط» كانت قد تلقت اتصالا للتو من اسماعيل هنية رئيس الوزراء المقال.
كانت الراعي ممتنة لهذا الاتصال، وقالت «هنأني بالافراج، وقال لي انه يفتخر بي ووعدني باطلاق سراح كل الاسيرات قريبا، وعرض علي اي مساعدة في اي مجال». وكان طلبها الوحيد ان يسعى للوحدة الوطنية. وقالت «وعدني وقال ان شاء الله، نحن نسعى لهذا».
كانت مفارقة، ان يتصل هنية، بالراعي، بينما لم يتصل بها عبد الرحيم ملوح امين عام الجبهة الشعبية التي تنتمي اليها. وردا على سؤال ما اذا كان الرئيس الفلسطيني او رئيس وزرائه قد اتصلا بها قالت: لا. وعند سؤالها عما اذا اتصل بها ملوح صمتت. ومن ثم سألت احد اشقائها الذي قال لها انه اكتفى بان يرسل فاكس.
ومن بين الذين اتصلوا بالراعي، ايضا ليلى خالد، التي عرفت باختطاف عدد من الطائرات في حقبة الستينات ومطلع السبعينات. وقالت الراعي ان خالد عبرت عن افتخارها بها وانها ستتصل بها لاحقا. واضافت ان هذه الاتصالات ترفع من معنوياتها وهي لم تكن تنتظرها.
وتحاول الراعي ان تتأقلم مع حياة الحرية الجديدة، إلا انها تجد صعوبة في ذلك، وقالت انها ما زالت تستغرب انها تمشي وتأكل اكلا مختلفا وتتحدث الى اهلها. واضافت «البلد جديدة، تغيرت علي، وكذلك تغيرت وجوه الناس».
وترى سونا ان من المبكر لها ان تطلق حكما على الحياة الجديدة، اما سياسيا فانها تقول بلا ترد «نحن نحو الاسوأ». وتعاني سونا من مشكلة اخرى، انها لا تستطيع النوم بعد السادسة والنصف صباحا فعلى مدار 11 عاما كانت يوميا تصحو في هذا الوقت استعدادا للتعداد حيث يحصي الجنود الاسرائيليون عدد الاسرى.