سمعته يقول لابنه: لماذا تبكي مثل النساء، جفف دموعك أنت رجل !! والرجال لا يبكون. ولطالما سمعت هذا الكلام من قبل ليس من شخص واحد مجهول بل من آلاف الرجال المعروفين، وأعتقد أنني قلته لأصدقاء أو أقارب أو معارف كانوا يبكون.
تعلمنا منذ صغرنا في مجتمعاتنا أن دموع الرجال لؤلؤة ثمينة مع أننا جميعاً بكينا صغاراً وكباراً وينتظرنا بكاء كثير. علّمونا أن الرجل بلا قلب ولا مشاعر، قاسٍ كالصخر لا يبكي، لا يضحك أمام الناس. فيما سمحوا للمرأة أن تبكي ما تشاء ليس حباً منهم في منح المرأة مزيداً من الحرية بل لأنهم يعتبرون النساء العنصر الأضعف في المجتمع والذي لا سلاح له سوى البكاء فقالوا: سلاح المرأة دموعها، مجردينها من أية قدرة على مواجهة الصعاب ومواجهة التحديات. فالمرأة في الشارع العربي هي الشماعة التي يعلق عليها الرجال أخطاءهم ويبررون ضعفهم. فإذا جاء الابن ناجحاً قالوا: هذا من أبيه، وإذا فشل في حياته قالوا: لم تحسن أمه تربيته.
فهل حقاً دموع الرجال لؤلؤة ثمينة؟ وهل يصبح الرجل عندما يبكي مثل النساء؟ لماذا يعتبر البكاء ظاهرة ملازمة للنساء؟ ولماذا تعلمنا أن البكاء علامة ضعف وانهيار؟
أليس البكاء ظاهرة إنسانية، ألا يعبر عن مشاعر الحزن أو الفرح لدى الإنسان؟ تلك المشاعر التي خلقها الله في عباده فميزهم عن الحيوانات وسائر المخلوقات؟
ألا يبكي الإنسان عندما يفقد أباه أو أمه أو عزيزاً عليه؟ ألا يبكي السجين فرحاً بعد الإفراج عنه؟ ألا يبكي الحبيب عندما يفقد محبوبه كما فعل الشاعر عبد الله بن الدمينة:
بكيتَ كما يبكي الوليد ولم تكن
جزوعاً وأبديت الذي لم تكن تبد
ألم يبك أحدكم حزناً على الأطفال المشردين من الحروب في كوسوفو والبوسنة والشيشان ولبنان وفلسطين؟ ! ألم تشاهدوا على شاشات التلفزيون الرجال يبكون حزناً على رحيل جمال عبدالناصر، أو الأميرة ديانا، او غاندي، عبد الحليم أو أو الفيس بريسلي …إلخ ؟!
فلماذا يخفي الرجال دموعهم؟ ولماذا يكفون أحزانهم؟ نعم لماذا هذه الظاهرة المصطنعة، لماذا لا نظهر على حقيقتنا ونعلنها بوضوح تام بأن الدموع للرجال والنساء وأنها ظاهرة إنسانية، تكون إيجابية عندما تتساقط في أوقاتها المناسبة وتكون غير ضرورية ويحب أن تتوقف عندما تذرف في غير موضعها، سواء ذرفها الرجال أم النساء.