إلامَ تؤشرُ جماهيرية باراك أوباما الوطنية والدولية ؟
فهل يعود السبب إلى بُغض العالم كله للراحل بوش، الذي جعل من أمريكا بلدا مكروها يشبه الجحيم؟
أم أنه يعود إلى أن العالم كله في الألفية الثالثة يعتبر أمريكا هي إمبراطور العالم، وليست دولة مثل باقي الدول، ومن يتولى زعامتها ينبغي أن يكون كفؤا قادرا على إرجاع الحقوق المسلوبة لأصحابها ؟
أم أن أمريكا أرادت أن تقنع العالم بأنها هي الوحيدة الدولة الديموقراطية، التي يمكن لكل مواطن فيها أن يكون رئيسا إذا أثبت كفاءته وقدرته بغض النظر عن أصله وفصله؟
أم أن بقية دول العالم ما تزال ترى في أمريكا (البطل المُنجي) من المآسي والحروب والفقر وكل الأزمات ؟ والحقيقة أن كثيرا من المضطهدين يرون في باراك أوباما عنترهم ومهديهم المنتظر، الذي يمكنه أن يخلصهم من عبوديتهم لأنظمتهم الحاكمة ، وعبوديتهم للطغيان الخارجي، وكذلك فإن آخرين يظنون أن باراك أوباما هو المخلِّص الذي يجيءُ في آخر الزمان لإقامة العدل في هذه الأرض ، ويرى فيه كثيرون أيضا المُبشِّر بمعركة هرمجدون الفاصلة ، حيث يُهزم الشر ، وينتصر الخير، فيصبح لكل عبرانيٍّ ألف عبدٍ من الأقوام الأخرى ؟
أليس في شخصيته تنفيسٌ غيرُ مُبرَّر عن مجموعة من الأمراض المتفشية في كثيرٍ من المجتمعات المقهورة ، حين تركن الشعوب المقهورة إلى فوزه في الانتخابات ، فتعتبر انتخابه إشفاءً لها من أمراضها الكثيرة ، وتنسى ما يجري في أوطانها من مآسٍ وآلام؟
فجأة نسي كثيرون بأن الرئيس في أمريكا، لا يُشبه الرؤساء والأمراء والملوك في الدول الأخرى، وإنما هو طابع بريد يحمل شعار الدولة تُلصقهُ أمريكا على ألبومها الكبير، وتضعُهُ على كل رسائلها للعالم أجمع ، بصفتها الدولة الوحيدة في العالم التي تخلو من التفرقة والتمييز العنصري والعرقي.
والرئيس الأمريكي ليس سوى موظفٍ في البيت الأبيض يخضع لقواعده وقوانينه، ولا يملك الرئيس الجديد أن يُغيّر في محتوياته إلا ما يملكه من متاع شخصي، حتى وإن كان البيت الأبيض مقرّ إقامته لأربع سنوات .
مسكينٌ باراك أوباما ، هل يمكنه أن يحمل كل أوزار الرؤساء السابقين ، ويجعل من أمريكا دولة ، تحكم العالم بالقسطاس المستقيم ، فتسحب جيشها من العراق في اليوم الأول من توليه الرئاسة وتغلقُ إلى الأبد سجن غونتنامو وغيره من السجون غير المعروفة ، وترسل في اليوم الثاني من ولايته الجرافات الثقيلة للضفة الغربية لتزيل المستوطنات العشوائية وغير العشوائية ، وتعيد في الشهر الأول من توليه السلطة تنسيق العالم بعد أن تبرأ من كل الأحلاف العسكرية ، وبعد ذلك بأسابيع تعيد الأرصدة المُجمَّدة ، وغير المجمدة للدول والأفراد والأحزاب التي لا تدور في فلكها ، ثم بعد نصف عام تُعوّض المساكين عن حروبها السابقة في فيتنام وأفغانستان؟
وبعدئذٍ يجب عليها أن تعتذر لإيران وليبيا وسوريا وكوريا وفنزويلا وكوبا عن العقوبات التي فرضتها عليها ، وما تزال تفرضها حتى اليوم .
مسكين باراك أوباما سوف ينشغل العالمُ أجمع بقصته فترة غير قصيرة ، ثم يشرع غير الواعين بسياسات الأمم الكبيرة في التشهير به بعد أن ينقضي شهر عسله ،فيشرعون في لعنه صباح مساء لأنه لم يفعل كما يجب أن يفعل وفق آمالهم وطموحاتهم ، أي كرجلٍ أسود مقهور ، وليس كرئيس دولة منصور ، حصل على الحكم في أكبر الدول، حين لم يتمكن ولن يتمكن من إنصاف المقهورين الملونين في كل أنحاء العالم ، ولن يستطيع قهر الفقر والعوز حتى في بلد إقامة أهله وذويه في كينيا موطنه الأصلي .
مسكين باراك أوباما حين لا ينجح بما يمليه عليه اسمُهُ من واجبات :
فباراك اسم عبري وحسين اسم مسلم ، وأوباما اسم إفريقي ، فلا يعرف كيف يمكنه أن يُنقذ العالم كله من المآسي ، ويعيد له السلام المفقود ، فيفشل في أن يكون الساحر فاوست في التراث الغربي والشاطر حسن وعلى الزيبق وعلاء الدين صاحب المصباح السحري في تراثنا الشرقي ، واليهودي التائه الذي لم يمت في التراث اليهودي .
مسكين أوباما آخر خلفاء الحزب الديموقراطي ، فهو وريث توماس جيفرسن ، وروزفلت ، فهل سيتمكن من إحداث ثورة جذرية تُنقذ العالم كله من سخرة أمريكا وتعيد الأمجاد للبروليتاريا العالمية، وتعيد ضبط نغمات أموالها وفق موسيقى الاشتراكية الدولية، فتنقذ أمريكا من نفسها ؟
باراك أوباما ابن الحزب الديموقراطي الجديد ، صحيحٌ أن بشرته سوداء ، ولكنه أمريكيُّ الفكر والنشأة والدراسة ، فهو أفضل لخدمتها من أبنائها الأصلاء البيض الذين يحملون دمغة ألواسب wasp أي أبيض من السلالة النقية البروتستانتية .
باراك أوباما صديق الراحل إدورد سعيد الذي توفي قبل أن يرى صديقه رئيسا لأكبر دولة في العالم كان دائما يقول له : أستغرب عشقك لإسرائيل .
باراك أوباما موظف في المؤسسة الأمريكية الكبرى سيظل يعمل بما تقتضيه ملفات أمريكا التي أعدها المستشارون ومراكز الدراسات والأبحاث ولجان الكونجرس وملفات الإيباك ، أما عن مساحة حريته الشخصية، فلا يمكنها أن تتجاوز أي ملف من هذه الملفات .
باراك أوباما موديلٌ أمريكي جديد سيجني لها من الأرباح أضعاف ما جنته كل حروبها ، فسوف تنتعش البورصات والمصارف المالية والتجارة العالمية على حركات شفتيه ، وستعوِّض أمريكا كل خسارتها في الأشهر القليلة السالفة ، إن كانتْ قد خسرتْ بالفعل شيئا من أموالها !
ابتسمتُ وأنا أتابع كلمة أول المهنئين للرئيس الفائز ، فكان منافسه ماكين هو أول المهنئين له بالفوز، وفق بروتوكول الانتخابات الأمريكية الرياضية .
وتخيَّلتُ أن الانتخابات قد جرتْ في دولة من الدول التابعة الأخرى، ووتخيلتُ منافسه المهزوم قد تحول فجأة إلى عدوٍّ له ، ثم صعد إلى منصة الصحافة في اللحظة الأولى لإعلان النتائج بوجهٍ متجهمٍ يقطر حقدا، وهو يقول :
كل الانتخابات التي جرتْ مزيفة ، مطلوبٌ إعادتها من جديد ، على أن تتولاها لجنة دولية محايدة !
هكذا إذن انتهى الشوط الأول من المباراة العالمية الكبرى ، على الملعب الأمريكي ، لتترك مجال الارتزاق أمام المحللين السياسيين، الذين سينشغلون وقتا غير قصير في قراءة فنجان قهوة باراك أوباما ، ومعرفة خطوط كفِّه ، فهل هي تميل إلى الشرق ، أم إلى الغرب ، وما أثر خطوط كفه على خطوط الطول والعرض، وما مدلولات الأحرف الأولى من خطاب التنصيب الأول .
وسيتولى خبراء السياسة والمحللون أيضا في عملهم الرائج ، وهو قراءة المستقبل والتنبؤ بما سيحدث . وتحليلاتهم ستتراوح بين؛ أن يتمكن باراك أوباما من قلب الطاولة على رأس أمريكا الجشعة الاستعمارية الكلاسيكية ، إلى التوقُّع باغتيال باراك أوباما في أقرب فرصة .
وأخيرا فإنني ما أزال أذكر مقطعا من الكتاب الأخضر الذي كتبه الزعيم الليبي معمر القذافي يقول:
السودُ سيسودون .