مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا}.
كلمة حق، لا بل وقفة مع الضمير، تحتم علينا الصحوة في الذكرى الرابعة لاستشهاد القائد الرمز والشهيد الخالد ياسر عرفات " أبو عمار". هذا القائد الفذ الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه كأبرز قادة حركات التحرر في عالمنا المعاصر. إننا نقف في هذه الذكرى وقفة إجلال وإكبار وقفة صعبة على النفس عصية على العقل مضنية للقلب والوجدان، وقفة مجللة بالأسى المهيب، مكلومين ملتاعين بفقدان قائد وأب وأخ ، قاد درب النضال على مدى أربعة عقود مضنية، لم يغمض له فيها جفن ولم تخلُ من المغامرة والمخاطر التي واكبته في حله وترحاله، فكان دائما حاضرا متوقدا، وحارسا ساهرا لا يعرف التعب ولم يثنِهِ عن عزمه أي كلل أو ملل. شغل نفسه في التدابير الكبيرة ولم تغفل عنه حتى أدق التفاصيل الصغيرة.
لقد ترك غيابك، أيها الفارس المغوار، فراغا كبيرا فتردت أحوالنا وانحدرت إلى مستنقع من الرمال المتحركة تصعب النجاة فيه. فها نحن في وطن قسم بفعل الانقلاب العسكري على الشرعية في 15/6/2007 إلى شطرين وها هي مدننا الفلسطينية تحاصر وتعزل بفعل جدار الفصل العنصري الذي تشيده الأيادي الآثمة في سلطات جيش الاحتلال الغاشم، مقطعة أوصال الوطن وعازلة المدن الفلسطينية عن بعضها بعضاً، وها هي الإجتياحات والاعتقالات وعيون الغدر التصفوية تصول وتجول متخفية دون رادع وكأننا أصبحنا شعباً يعيش في سبات عميق لا حول لنا ولا قوة، لا تهزنا مشاعر أو يحركنا واعز ضمير!!!. وها هو الاستيطان داءً عضالاً ينخر جسد هذا الوطن الجريح متوسعا بصورة مطردة ليقضي على فرص التوسع المستقبلي في مدننا العزيزة ، وهدف سلطات الاحتلال الرئيس بهذا الشأن هو القضاء على أي إمكانية لخلق تواصل جغرافي بين مدننا الفلسطينية وبالتالي حرماننا من تحقيق الحلم الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة... ماذا بعد؟!!
هل نستمر على هذا الحال والى متى؟!!
هل نترك الإحباط يعبث في أحاسيسنا ومشاعرنا فيطفئ شعاع الأمل ويدمر حلمنا ويقضي عليه نهائيا ؟!!
هل نقدم للاحتلال الغاشم بلادنا العزيزة على طبق من فضة ونساعده على تحقيق الحلم الصهيوني الذي على أساسه أنشئت دولة إسرائيل؟!!
إن الواجب يحتم علينا أن نتخلص من المراهقة السياسية التي نعاني منها جميعا وأن نتحول إلى مرحلة النضوج السياسي والفكري.
إن صوت العقل يقضي بأن نلقي بالنظرة الحزبية الضيقة والأنانية الفصائلية إلى وهدة عميقة في سبيل المصلحة العامة سعيا إلى بناء مستقبل أكثر أمنا وإشراقا لأبنائنا.
علينا أن نعمل جاهدين على رأب الصدع وإعادة اللحمة وإنجاح الحوار المتعثر الذي تبنته جامعة الدول العربية، وترعاه دولة مصر الشقيقة لأن فشل الحوار سيؤدي إلى اشتعال لظى الفتنة وهذا سيقودنا دون محالة إلى الدمار والاندثار.
دعونا نجتمع على كلمة سواء وأن ننبذ العداء المستفحل وتراشق الاتهامات عبر وسائل الإعلام وأن نضع نصب عيوننا هدفا واحدا وهو مواجهة الاحتلال ودحره.
دعونا نوجه من على هذا المنبر نداء للقادة السياسيين من جميع الفصائل بأن يتخلوا عن الأنانية الحزبية والشخصية في سبيل المصلحة العامة. آن الأوان لكي نستعيض عن هذه الأنانية الباردة بروح التعاون الدافئ وقبول الطرف للطرف الآخر بروح ديمقراطية عالية.
ما العائق في أن نضع نصب أعيننا أهدافا مشتركة تجمعنا ونحن أبناء شعب واحد عانى لعقود طويلة من حدة الصراع ومرارة الاحتلال والتشرد في الغربة وفي دول الشتات؟!!
وماذا بشأن الثوابت الفلسطينية التي أقرتها الحركة الوطنية عبر مؤتمراتها المتعاقبة؟
هل نحن حريصون على تحقيق تطلعاتنا في دحر الاحتلال والسعي إلى نيل الحرية والاستقلال؟
وماذا عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194؟
وماذا عن تحرير الأسرى كافة من سجون الاحتلال البغيض!؟ هل نتبع نزواتنا الحزبية ونتركهم مركونين خلف غياهب القضبان؟
وماذا عن تحقيق الحلم الفلسطيني في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس العربية على التراب الفلسطيني المحتل عام 1967 ؟!!
جميع هذه الأسئلة وغيرها مازالت تطرح نفسها... إذن دعونا نخلد مع أنفسنا بروية وسكينة وعمق تفكير عسى أن يصحو صوت الضمير فينا، فنعود إلى رشدنا والى عنفواننا وحيويتنا ونغير ما بأنفسنا من ضغينة وحقد أسود عملا بقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {إنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بقَوْم حتى يُغيِّروا ما بأنفُسِهِم}.
لقد ترجل الشهيد القائد البطل عن جواده رافع الرأس.
ترجل وهو قابض على جمرات الثوابت الفلسطينية بيديه الأبيتين، ولم تهن عزيمته للحظة ولم يتنازل رغم كل الضغوط والإغراءات وكابد من العزلة والحصار ثلاثة أعوام داخل مبنى المقاطعة في مدينة رام الله ودفع في النهاية حياته ثمنا باهظا لتمسكه الحازم بها ولإيمانه بحتمية تحقيقها كاملة غير منقوصة.
نعم لقد ترجل الفارس المغوار تاركا لنا إرثا عظيما وحملا ثقيلا وخطا أحمر لا يمكن تجاوزه.
وأني أسأل المولى، عز وجل، أن يغدق على زعامتنا الفلسطينية بقيادة الأخ الرئيس محمود عباس "أبو مازن" الحكمة والسؤدد كي يتابعوا المسيرة وفقا للنهج الذي خطه الشهيد القائد الرمز. حقا لقد كرس الشهيد أبو عمار حياته لتحقيق الحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية وعاصمتها القدس العربية.
لقد استشهد القائد الرمز أبو عمار متمسكا بالثوابت الفلسطينية و حافظ عليها بشجاعة وإقدام فإلى جنات الخلد أيها الشهيد العظيم مع الأبرار الصديقين والشهداء.
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي)
{الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركا}