دعوتك أبي لم تجبني، أم أن صوتك لم يصلني، أصمم بي، وأنا الشغوف لتهاليل وجهك ودعاؤك؟! اللهم أمتني شهيدا شهيدا، ما زال صوتك الحاني يجوب بأرداف المكان، يملأ الدنا بالمعاني العظام، ينهل من ينبوع خيرك الأخيار، لا يظمأ من ارتشف شربة الحرية من سيل عارم هو نهر للأحرار، أمواج من رؤوس تمايلت واشرأبت حناجر تردد معك "على القدس رايحين شهداء بالملايين شهداء"، هؤلاء تلاميذك معلم الأجيال، مقتدون وعلى هديك مقلدون.
من أحق منك قدوة بعد الأنبياء، جمعت الفرقاء يوم تنوعت المشارب، توحدت الأكف لينسجم النغم، لم تمت وإن فنى الجسد، بموتك تتلمذ الحكماء، حياتك أربكت الحساد، احتار فيها الأعداء.
اهتزت الأرض، ارتجفت حزناً وشوقاً لقدميك الواثقة، فضاء فلسطين ذبلت وريقاته حنينا لكوفية هي شعارها، جدران مقاطعة ماتت بفراقك، بزّة متواضعة ميزت رئيساً نافس بالزهد الخلفاء، بصيرة تشع ضياء، للفقراء والمرضى شفاء، شفاه الثكالى تلهج للرب بالدعاء، "يا نصير الجياع هل لبقاء نهجك من رجاء"، لم يردّ على بابك صاحب مظلمة، ولا طالب علم، للمرأة حامية النار كنت منحازاً، نسي اليتامى يتمهم فأنت أب لكل الآباء، تزرع العزة والإباء في النفوس ، ترنو إلى وعد الرحمن، أننا إلى القدس عائدون، تحمل غصن الزيتون، لم تفرط بالخيارات، لم يبهرك ما في القصور من إغراءات، بكت عليك الأرض وما عليها، وعلى الأكف طار جسدك الطاهر يحلق في السماء، سكنت روحك الأطفال؛ لتحيا فلسطين، أجراس القيامة ترتل أننا باقون، الأقصى يشهد بمآذنه أننا منغرسون مثل النخيل والزيتون، كما أردت، لا بد أن نكون.
حراك بلا توقف، منهجية الثائر لا عفوية الباحث عن سلطة، عاطفة تنفجر أملاً وعنفواناً، لم تبحث عن الحسان، لم تخلد إلى الراحة، ينام يومك وأنت عاكف على فك طلاسم رموزها أحكمت، حيكت خيوطها بظلمة بين الوريد والشريان، تصلي الفجر وتستعيذ بالله من الوسواس الخناس، تغفو وعينيك لم تنم، تتحسس هموم الناس، لا يثنيك عن واجبك متقاعس أو يائس، خرجت من بيروت مرفوع الرأس، عدت تقبّل ثرى غزة، تحدث البحر عن طفولة فارس، يحاصرون ذاتهم وأنت للحلم حارس، يموتون غيضا وأنت للشهادة طالب، تدعو الله بميتة نلتها، بعد أن غدروا بك، خاب كل غدار أثيم، بنيت في النفوس عظمة الحلم فكنت خير بناء، للطفولة كنت الأمل، بذلت بلا كلل، موقفاً كنت في الأزمات، حفظت الثوابت، منك يرجف الأعداء، ترفع راية النصر وجرحك نازف، طائر الفينق فوق التل والسهل يرفرف، ترجلت أيها الفارس مكره، خلدت إلى نومك الأبدي، تراب القدس افترشت وعلى مقربة منها انتظرت، عاهدك الأحرار بالوفاء لنهج أنت له إمام، وعلى حراسة البيدر أعينهم لا تغفل أو تنام، بذلك كان للشعب التزام.
عذراً أبتي، نعلم أن نقض العهد ثقيل وضرر، عواقبه ترفع الخير من الأرض الطيبة، تمنع القطر من السماء، أعيينا حفاظا على إرث تركته فينا، أجهدنا الشقاق والخلاف، بيت العودة مزقت ستائره، ليس حبا بالتجديد والإصلاح، هي الردة حتى أثخنا بالجراح، عواصف تعددت مصادرها هتكت حرمات أزقة المخيم، لا تسمع الا أنين ونواح، وسطية الموقف من الآخر صوناً لخصوصية الذات تناثرت أشلاءه على الرمال الصفراء، طاب لنا الركون باحضان باردة قارية لا دفء فيها، تعمي القلوب، تشل الفكر لنوغل بالأحقاد على الكل الوحدوي، نبحر بالفردية ليرضى الآخر، دراهم معدودة تتساقط علينا لشراء الذمم، عذراً أيها القبطان لا بد من توزيع التركة بشريعة الغاب وإن بخس الثمن، عذراً سيدي..... نم فبطن الأرض خير من ظهرها