يحتجز في سجن الجنيد غرب مدينة نابلس 23 عنصرا من كتائب شهداء الأقصى، منهم من حصل على(عفو) جزئي ومنهم من ينتظر ان يطبق عليه اتفاق( العفو) ، وبين الرجال الأشداء خبراء ألاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي في سنوات انتفاضة ألأقصى، يجلس الطفل كايد المصري البالغ 15سنة أبن البلدة القديمة (نابلس)ليكون أصغر المعتقلين الفلسطينيين على ذمة اتفاق( العفو) حتى الان.
ومنذ أن كان كايد في العاشرة من عمره وهو يحب المقاتلين ويلحق بهم في زقاق المدينة يحاول ان يكلمهم ويضع يده على سلاحهم وثيابهم ولأنهم أبطاله المفضلين كان دائم البحث عنهم ولا يفوت مناسبة كي يشاهدهم ويلفت أنظارهم أليه،يعرفهم بالاسم ويذكر تواريخ استشهاد بعضهم ويذكر بطولاتهم في التصدي لجيش ألاحتلال.
الجيش الإسرائيلي يتهم الطفل كايد بمساعدة المطلوبين ربما بجلب الطعام والسجائر ويكشف الطريق لهم وربما هو أكثر من ذلك بكثير فهذا يعتمد على ماذا اعترف ألآخرين عليه، مما استدعى الوقوف إلى جانبه من قبل أبناء البلد للحفاظ على حياته.
يقول 'توسط لي أصدقائي لدى ألأجهزة ألأمنية الفلسطينية كي أتي إلى هنا لقد اخترت بين السيئ والأسوأ أنا لا أحب السجن ولا اشعر بالحرية إلا في بيتي، لقد حضر الجيش الإسرائيلي للبحث عني في إحدى الليالي حينها لم أكن أتواجد في البيت ، لقد اعتقلوا اثنين من أصدقائي في تلك الليله وهم في مثل عمري'.
وتشير إحصائيات وزارة شؤون الأسرى إلى وجود 340 طفلا فلسطينيا في السجون ألإسرائيلية منهم 80 طفلا من محافظة نابلس وحدها.
كايد يرفض أن يطلق عليه صفة الطفولة، وحتى يؤكد رجولته المبكرة حسبما يعتقد، يقلد الرجال الذين أحبهم بأسوأ عادة مضرة للصحة لمن هم في مثل عمره، يخرج علبة السجائر ويشعل سيجارة أمريكية ويدخنها بشغف يسحب الدخان إلى جوفه وينثره إلى أعلى مع القليل من السخرية يعبر عنها بهزة الراس وكانه يخرج كل الهموم الكامنة في النفس، ويبتسم عندما ينظر لصور الشهداء المعلقة على جدران غرفة السجن التي تكاد تختفي لكثرة صور من ترجلوا شهداء، يبدو كمن يريد أن يقول شيئا للشهداء ويبدو كمن تلقى الرد منهم لحد ألابتسامه الهادئة، .يدير وجهه ولا يحب النظر في عيون ألآخرين بشكل مباشر وكأنه يريد إخفاء ثورته، أو ربما هو خجل الطفولة الغائبة عن هذا الطفل الذي يرفض أن يكمل دراسته رغم نصيحة ألأهل والأصدقاء والمسؤولين ويفضل البقاء في حضرة الكبار والحديث بلغة الخبراء.
عنان صبح احد المطلوبين المحتجزين منذ حوالي عام في نفس السجن قال 'لقد جلبنا كايد كي نحميه من الإسرائيليين وكي نحميه من نفسه انه طفل لم يشاهد في حياته الا الاجتياحات الإسرائيلية وقتال الشوارع والمقاتلين، هنا أفضل له حتى يأتيه قرار الإعفاء، وما ينطبق علينا سيطبق عليه، على الأقل هنا لا احد يوجه له الاهانات ولن يستغل من أي طرف، هو قريب من عائلته ويتلقى الاهتمام اللازم من الجميع'.
ويذكر احد ضباط السجن الذي دخل لتبادل أطراف الحديث واحتساء القهوة مع أفراد الكتائب المحتجزين لديه انه اعتقل على يد الجيش الإسرائيلي عندما كان بعمر كايد وقد تلقى الضرب والاهانات على يد الجنود والمحققين الإسرائيليين وأن هذا الاعتقال زاده اصرارآ على تحدي الاحتلال في سنوات الشباب وخاطب الطفل كايد: 'يا ابني عليك أن تعلم إنني هنا من اجل الحفاظ على حياتك إياك أن تفكر بالخروج قبل أن تحصل على( العفو) الكامل وكل شيء تحتاجه اطلبه مني وأنا سأوفر لك الأمان طالما أنت هنا أما في الخارج فلا أمان 'الضابط الودود يضع ثلاث نجوم على كتفة ويشرح وجهة نظره لأفراد الكتائب بأنه لا يمكن أن يكون لهم سجانا، وأنه ينتمي منذ صغره لأحد منظمات اليسار الفلسطيني وأن ابنه معتقل لدى جيش ألاحتلال متمنيا لو كان ابنه بينهم حتى يشاهده متى يشاء.
كايد مستمع جيد للآخرين يعطي اشارات بالموافقة وقبول النصيحة على الرغم من حالة الملل السائدة في السجن وتكرار الأحداث بشكل دائم، والذهاب للنوم في الثالثة فجرآ حتى الساعة الواحدة ظهرا، فعالم السجن مختلف لطفل يجلس ويأكل وينام في غرفة بداخلها حمام ومطبخ صغير وأربعة أسرة، يقلب الخاتم الذهبي الذي أهدته إياه والدته كي يتذكرها وكي يشعر أنها إلى جانبه، خاصة أن كايد لا يسمح لوالدته بأن تأتي لزيارته على الرغم من مرور شهرين على احتجازه بمحض أرادته، لأن السجن للرجال فقط على حد قوله، اكتسب خبرة إعداد الطعام والمشروبات الساخنة للرفاق بإتقان ويطمح بأن يصبح فني دراجات هوائيه عندما يمتلك الحرية ويعود لعائلته الصغيرة المكونة من الوالدين وشقيقة تكبره بعامين.