عنترة بن شداد العبسي (525 ـ 615)
حياته : ولد عنترة في نجد نحو سنة 525 ، من أبٍ شريف ومن أمه ، فعاش كعبد يرعى إبل أبيه . وأغارت جماعة من طيء على عبس واستاقت إبلهم ، فدعا شدّاد عنترة لمكافحة العدو ، ووعده بالحرية ، فكر عنترة ونال الحرية ببسالته . ثم قاد الكتائب في غزوات متوالية على أعداء عبس ، وفي حرب داحس والغبراء . وأحب ابنة عمه عبلة فنفرت منه ، فقضى حياته يسترضيها . ثم قتل نحو سنة 615 . وقد دخلت حياته الأسطورة وبنيت عليها « قصة عنترة » .
آثاره : لعنترة ديوان شعر أشهر ما فيه المعلقة التي نظمها في حرب السباق ، مفصلاً فيها مفاخره . وقد دخل شعر عنترة كثير من النحل ولا سيما بعد ظهور « قصة عنترة » .
عنترة شاعر الشخصية الفذّة : هو عفيف ، مترفع عن كل دنيء ، كريم ، شجاع ، رقيق الشعور .
عنترة الشاعر الغنائي : تألم عنترة وكان صادقاً ، فباح بخوالج نفسه في شعر إنساني مؤثّر :
الغزل : حبه حب متيم ، وهو صادق شريف ، كما هو متألم ، فكان غزله لوعة كاوية ودمعة سارية . ولكنه بعيد عن التحليل النفسي العميق . فعنترة يكتفي بالتعبير الساذج من صرخة وأنّة وزفرة .
عنترة الشاعر الملحمي : أراد عنترة أن يُسكت معيّريه ، ويسترضي عبلة ، فأشاد بأمجاده في ساحات القتال ؛ فكان أسلوبه قريباً من أسلوب الملاحم بما فيه من وصف وقصص ، وجو حربي ، وموسيقى حربية .
الوصف والقصص : كان عنترة في وصفه مفاخراً ، ينزع الإيجاز ، ويعتمد وقائع تاريخية مضخمة في خياله الذي يستند إلى التشبيه الحسي ويبث الحياة في قصصه . وكانت الألفاظ في كل ذلك متوثبة ، متدافعـة ؛ كما كان شعر عنترة الحماسي ممزوجاً بالعاطفة حافلاً بالمعلومات التاريخية .
لعنترة ديوان شعر فيه نحو 1500 بيت طبع للمرة الأولى في بيروت سنة 1864 ، وتعددت طبعاته في المدينة نفسها . وأكثر ذلك الديوان في الفخر والحماسة وذكر الوقائع والغزل العفيف بعبلة ، وقليل منه في المدح والرثاء .
وأشهر ما فيه المعلَّقة المشهورة ومطلعها في الأغلب :
هل غادرَ الشُّعراء من مُتَرَدَّمِ *** أم هل عرفْتَ الدَّارَ بعدَ توهمِ !
وذهب بعض الرواة إلى أن مطلعها هو :
يا دارَ عَبلةَ بالجِواء تكلَّمي *** وعِمي صَباحاً دارَ عبلةَ وأسلمي
أما المعلقة ـ وقد اختلف الرواة في عدد أبياتها ـ فهي ميمية على البحر الكامل يبلغ عدد أبياتها نحو 79 بيتاً . ولها شروح عدّة منها شرح الزوزني والتبريزي والانباري . وقد طُبعت عدة مرات على حدة ، وتُرجمت إلى اللغة اللاتينية والفرنسية .
وهي قصيدة ذات قيمة كبيرة ، نظمها الشاعر ذاهباً فيها مـذهب غيره من الشعراء الأقدمين ، متبعاً سنتهم من ذكر ديار ووصف نياق ، وفخر بكرم وجود ونجدة ؛ إلا أنه « أسهل ولم يُحزن ويسَر ولم يُعسِّر ، وارتفـع عن الإسفاف والابتذال دون أن يتورّط في الغلظة والأغراب ، وانتهى إلى معانٍ قلَّما انتهى إليها غيره من الشعراء » ، فوصفها ابن سلَّام بأنها « نادرة » .
الباعث على نظمها : الأغلب أن عنترة نظم معلقته في أثناء حرب السباق التي انتهت سنة 609 ، وكان الباعث على نظمها أن الشاعر لما اضطر أباه على الاعتراف به لما أتاه من بيض الفعال ، سابّه رجل من عبس وعيّره سواده وسواد أمه واخوته . فأجابه عنترة بما يعلو به ، وفخر عليه وقال في ما قاله ؟ : « إني لأحتضر البأس ، وأوافي المغنم ، وأعف عند المسألة ، وأجود بما ملكت يدي ، وأفصل الخطة الصَّماء » . فقال له الرجل : « أنا أشعر منك » . قال : « ستعلم ذلك » . ثم أنشد معلقته مفصّلاً فيها مفاخره .