أكد الأسير السابق، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، اليوم الجمعة، بأن التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي بأشكاله المتعددة والمختلفة، الجسدية والنفسية، لم يكن يوماً ممارسة نادرة أو استثنائية، بل شكَّل سلوكا ثابتا انطلق مع بدايات الاحتلال، وتطور تدريجياً شكلاً ومضموناً وممارسةً، حتى أضحى نهجا ثابتا وجزءا أساسيا في التعامل مع المعتقلين ومن أبجديات العلاقة معهم، في إطار سياسة عامة يشارك في تطبيقها وترجمتها كل من يعمل في المؤسسة الأمنية بدعم ومباركة الجهات السياسية والقضائية الإسرائيلية.
واعتبر فروانة بأن الخطورة تكمن في إجازته وتشريعه أمام سمع وبصر العالم والدفاع عن ممارسته، مما مكَّن مرتكبيه من التفنن والإبداع في كيفية إلحاق الألم والأذى بحق المعتقلين دون رادع أخلاقي أو قضائي، فيما المؤسسات الحقوقية والإنسانية صامتة وغير مبالية، وكأنها استسلمت أو سلمت للواقع المرير، مما يضع علامات استفهام كبيرة على دورها وشعاراتها.
وأكد فروانة بأن إسرائيل هي الوحيدة في العالم التي شرعت التعذيب قانوناً في سجونها، ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية التي تحظر التعذيب وتجرمه، فيما تعتبر توصيات لجنة لنداو، التي أقرتها الكنيست الإسرائيلي في نوفمبر عام 1987 ، هي أول من وضع الأساس لقانون فعلي يسمح بتعذيب الأسرى وشكل حماية لرجال المخابرات.
واعتبر فروانة بأن التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى هدم الذات الفلسطينية والوطنية و تدمير الإنسان جسدياً ومعنوياً وإلحاق الأذى والألم المزمن به، وتحطيم شخصيته وتغيير سلوكه ونمط تفكيره وحياته، ليغدو عالة على أسرته ومجتمعه وعبرة لغيره، وليس كما تدعي سلطات الاحتلال " انتزاع معلومات"، وما يؤكد ذلك هو ممارسة التعذيب بأشكاله المتعددة منذ لحظة الإعتقال وحتى لحظة الإفراج والتلاعب بأعصاب الأسرى وذويهم.
جاءت تصريحات فروانة هذه بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، حيث أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة كانت قد أقرت في الثاني عشر من شهر كانون اول من عام 1997، يوم السادس والعشرين من شهر حزيران كيوم عالمي لمناهضة التعذيب ومساندة ضحاياه وتأهيلهم ، يوما لتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي بدأت بالتنفيذ الفعلي بتاريخ 26 حزيران عام 1987م.
التعذيب ممارسة مؤسسية
وأكد فروانة بأن التعذيب ممارسةً مؤسسيةً يشارك بتطبيقها كل من يعمل في المؤسسة الأمنية ويشارك في اعتقال واحتجاز المواطنين أو التعامل معهم بعد الاعتقال، بدءاً من الجنود ومروراً بالمحققين وكافة العاملين في السجون ومراكز التوقيف وليس انتهاء بالأطباء والممرضين، فجميعهم يتعاملون مع الأسير من منطلق أنه عدو، ويشاركون بشكل مباشر في التعذيب والتكيل وإساءة المعاملة وأحياناً التحرش الجنسي، بحجة أنه "قنبلة موقوتة"، ويسعون لابتكار وابتداع كل ما هو جديد وأكثر ألماً وإذلالا، وأحياناً يمارسون التعذيب لمجرد التسلية والاستمتاع والتباهي فيما بينهم، ويضحكون ويبتسمون وهم يراقبون عذاب وآلام المعتقلين، واصفاً إياهم على أنهم أناس مجردون من الضمير الإنساني وليسوا أصحاءً نفسياً.
70 شهيدا داخل السجن ومئات خارجه جراء التعذيب
واضاف فروانة بأن سلطات الاحتلال تمارس التعذيب مع الجميع دون مراعاة فيما بين المعتقلين من حيث الجنس أو العمر أو الوضع الصحي ..الخ ، بل على العكس أحياناً تستخدم العلاج للمساومة والإبتزاز وتتحول عيادة السجن إلى مكان للتحقيق وانتزاع المعلومات، ويتجرد الطبيب من مهنته الإنسانية ليتحول إلى محقق وعدو يمارس كل ما هو بشع بعكس أخلاقيات مهنة الطب.
ولفت فروانة أن الإحصائيات تفيد بأن 70 أسيراً استشهدوا جراء التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967، وكان أول ضحاياه هو الشهيد يوسف الجبالي الذي استشهد بتاريخ 4 كانون ثاني 1968م في سجن نابلس، وتبعه العشرات أمثال قاسم أبو عكر ، عون العرعير ، مصطفى عكاوي ، إبراهيم الراعي ، خالد الشيخ علي ، عبد الصمد حريزات وعطية الزعانين ..الخ ، فيما المئات من الأسرى استشهدوا بعد تحررهم من السجن جراء التعذيب، فيما لا يزال الآلاف من ضحايا التعذيب يعانون من أمراض مختلفة وعاهات مستديمة جراء التعذيب.
الاعتقال والتعذيب .. ترابط وثيق
وأشار فروانة الى وجود ترابط وثيق ما بين الإعتقال والتعذيب، حيث أنه ليس هنالك من مواطن فلسطيني واحد قد مرّ بتجربة الإعتقال، دون تعرضه لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدية والنفسية وفقاً للتعريف الدولي للتعذيب، حيث أن كافة من مروا بتجربة الإعتقال والإحتجاز قد تعرضوا للمعاملة المهينة والسيئة واللاإنسانية وإلى الشتائم وتكبيل الأيدي وعصب الأعين أو وضع الكيس والمكوث ساعات وقوفاً أو جلوساً تحت أشعة الشمس بظروف صعبة ، وأن 92 % منهم تعرضوا للدفع والصفع والضرب، و89 % حرموا من النوم، فيما 94 % أجبروا على الوقوف فترة طويلة، و75 % تعرضوا للشبح ، و93 % لم يتلقُ طعاماً وشراباً مناسباً وفي الوقت المناسب ، و68 % تعرضوا للبرودة أو الحرارة الشديدة، و45 % تعرضوا للمكوث ساعات وأيام في ما تعرف بالثلاجة، وأن أكثر من 58 % تعرضوا للضرب والضغط على "الخصيتين".
تحرش جنسي واغتصاب
وأضاف فروانة بأن هناك أشكالا أخرى من التعذيب تعرض لها البعض بنسب أقل ومتفاوتة ما بين هذه الفئة أو تلك من المعتقلين مثل التعرض للهز العنيف ، والتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب أو الاغتصاب الفعلي، وإجبارهم على التعرية، وأحياناً إدخال أنبوب أو عيدان ثقاب في الأعضاء التناسلية، والاعتداء بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص، واستغلال أماكن الإصابة أو الجرح، والإهمال الطبي والصعق بالكهرباء وإحضار أحد الأقارب كالزوجة أو الوالدة، مؤكداً على أن تجربة التعذيب، من التجارب المؤلمة في حياة الإنسان التي تبقى راسخة في ذاكرة المُعذبين ولا يمكن أن تمر دون أن تترك آثارها النفسية والجسدية.
واعتبر فروانة بأن ضحايا التعذيب ليسوا فقط ممن يعتقلون ويتعرضون للتعذيب مباشرة، بل تمتد آثاره لتطال ذويهم وأطفالهم، آبائهم وأمهاتهم ، جراء التعذيب النفسي والحرمان وأحياناً التعذيب الجسدي ، وتبقى آثاره المريرة لسنوات وعقود ملازمة للمُعَذبين.
الدعوة للتحرك .. وانشاء موقع ألكتروني خاص
ودعا فروانة كافة الجهات والمؤسسات المعنية بقضية التعذيب وتأهيل ضحاياه، وتلك التي تعنى بالأسرى، إلى ضرورة تنسيق جهودها وتوحيده بما يكفل توثيق كافة حالات التعذيب والعمل بشكل جدي وفاعل وتراكمي بما يضمن فضحه وبأكثر من لغة من خلال موقع متخصص بذلك ، وبما يكفل وضع حد لممارسته بحق آلاف المعتقلين في سجون الاحتلال ، ورعاية وتأهيل الأسرى المحررين ومساندة المُعَذَبين وممن تعرض منهم لصنوف قاسية من التعذيب وتوفير احتياجاتهم الأساسية وإنصافهم وتعويضهم بشكل مناسب، والعمل من أجل ضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم .
واعتبر أن تشريع التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عقدين تقريبا والتمادي في ممارسته بشكل دائم، إنما يعكس ضعف المؤسسات الحقوقية والإنسانية التي لم تتحرك، أو تحركت بشكل خجول في أحسن الأحوال ولم تنجح حتى اللحظة في الحد منه وإيقافه أو ملاحقة مرتكبيه في المحاكم الدولية، على اعتبار أن جميع أعمال التعذيب هي جرائم تستوجب العقاب ولا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب وفقاً للمادتين الثانية والرابعة من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.
واوضح فروانة: يقصد بالتعذيب وفقاً للمادة الأولى من الاتفاقية 'بأنه أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخصٍ ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها'.