في ذكراه الثانية و الاربعين .." بين جيفارا ..و سياسيونا الأفاضل !!"
بقلم: مازن الياسري
مقال قرأته...ولفت انتباهي بشكل كبير...
واعتبرته جواب لسؤال لطالما تردد على مسامعنا خاصة نحن اليساريين...أو أنصار الاشتراكية
وهو ...."من هو جيفارا لكي تعتبروه أسطورة ؟ ...انه ليس بمسلم ولا بفلسطيني "
أرجو قراءته للنهاية ..
أترككم مع المقال ..
بداية لابد من الاشارة و قبل الخوض في تفاصيل المقال بأنني لست شيوعياً او اشتراكياً ، بل و لست يسارياً ايضاً .. كما لا بد من التأكيد على ان الحديث عن شخصية ما لا يعني بطبيعة الحال الايمان الكامل بها .. او القناعة التامة بمواقفها .. فبالحديث عن جيفارا .. ليس من الضروري ان اكون مؤمن بجيفارا بشكل كامل .. فأنا اتفق معه في نقاط و اختلف معه في عدة نقاط .. و لكن منطق البحث و التجريب .. يسحبنا لتجربة تستحق البحث و المقارنة كان جيفارا احد رموزها .. كما ان موضوعية البحث التي ما انفكيت ارغب في تحقيقها في كل ما اكتب ، تتطلب التجرد عند الحديث عن فكرة او شخص .
ارنستو جيفارا الذي صادفت ذكرى رحيله الثانية و الاربعين قبل ايام ليست ببعيدة ، بطبيعة الحال و بغض النظر عن التقبل و الاختلاف مع طروحات و اراء جيفارا .. من المهم اثارة بعض المواقف التي اراها ايجابية و بهيئة جلية لهذا الرجل ، خاصة و نحن بحاجة ماسة لساسة قادرين على تحمل المسؤولية ، ليسوا بطبيعة الحال ثوريين او يساريين .. و انما قادرين على تحمل المسؤلية و وفق ايمان بقضاياهم .
جيفارا و في ذكراه الثانية و الاربعين .. لا زال شخصاً رمزياً جماهيرياً ، و لازال مئات الالوف حول العالم يعتبرونه رمزاً و مثالاً يحتذى به .. بل يجنح البعض لاعتباره اسطورياً ، و بلا شك فالرمزية و الجماهيرية تجاه جيفارا .. تنقسم الى عدة و جوه انسجاماً مع فكر و ثقافة الشخص و ضروف محيطه .. كما لا يغيب عن الملف بعد الكاريزما الجارفة التي يمتلكها الرجل ، و التي لا زالت تؤثر ايجاباً على الرغم من مرور اربعة عقود على رحيله .
انا شخصياً ما يعجبني بشخص جيفارا .. و يجعلني احترم هذا الشخص ، و اقتنع برمزيته العالمية ، ليس سبباً فكرياً مرتبط بأديولوجية الرجل ، او ارائه الفكرية .. بل انا ممن يعترضون على مواقفه الدولية و افكاره الثورية المبالغ بها (بوجهة نظري) ، و مواقفه الهجومية من العالم الليبرالي .. لكن ما يجعلني احترم هذا الرجل و اقتنع به رمزاً عالمياً يستحق الاحترام و الدراسة ، هو (موقفه الشخصي تجاه مبادئه الخاصة) و (مصداقيته في تطبيق قناعاته الفكرية) .. بغض النظر عن خطأها من صوابها .. فجيفارا و سيراً وراء مبادئه الذهنية و قناعته الفكرية .. ابى ان يعيش برغد الحكام .. و عاش حياة المشردين .. انها قمة المصداقية مع نفسه ثم مع من حوله .. و لعلنا بحاجة اليوم لآناس صادقين ليخرج بلدنا من عنق الزجاجة التي هو يها منذ سنوات .
ولد جيفارا في الارجنتين .. و حصل على شهادة جامعية في الطب .. الا انه و في مرحلة من شبابه سافر بجولة في قارة امريكا الجنوبية ، في الدول المجاورة لبلاده .. جيفارا تأثر كثيراُ بما شاهد من مشاهد الجوع و الفقر و المرض و التخلف ، التي تعج بشعوب تلك القارة .. و نظراً لتأثره ببعض الافكار اليسارية و الشيوعية (نتيجة لزوجته الاولى الشيوعية الهوى و الفكر) .. اعتبر جيفارا ان الرأسمالية العالمية و امبريالية الانظمة الحاكمة .. هي سبب ما يحصل في هذه الدول المسكينة (دول قارة امريكا الجنوبية التي ترحل بينها) .. وقطع عهداً مع ذاته في السعي للتغيير .. ثم امن لاحقاً بمفهوم الثورة .. و انظم الى مجموعة من الثوار الكوبيين كانوا بقيادة المحامي الكوبي الشيوعي فيديل كاسترو ، العلاقة التي نشأت بين جيفارا و كاستروا ، غيرت من حياة الرجلين و من مستقبل كوبا ذاتها .. حيث اجتمعت جماهيرية كاسترو ، و ثورية جيفارا .. لينجحا بأسقاط حكومة الرئيس باتيستا .. و يستوليا على الحكم في كوبا مع مجموعة قليلة من الانصار .. وهنا لنا وقفة ...
كاسترو و جيفارا .. متقاربان علمياً و ربما فكرياً ، كما ان نجاحهما حولهما سريعاً ، من ثوار منهكين يعيشان في البراري .. الى حكام يستطيعون ان ينعمى بما يشائان من مال و جاه .. كاسترو منح جيفارا الجنسية الكوبية و عينه رئيساً للحزب في البلاد .. كما اصبح جيفارا مسؤلاً عن وزارة الاقتصاد و الخارجية ، و وزيرا للصناعة .. و ممثلاُ لكوبا في الامم المتحدة .. و امتلك شعبية جماهيرية ليس لها حدود .. و هنالك من يقول من (مؤرخي تلك المرحلة) ان جيفارا كان رجل يحمل اي مسؤولية يعجز عنها الاخرون .
لنعود الى وقفتنا و نتأمل .. الشاب الثوري ، الذي اصبح وزيراً لاكثر من وزارة .. و تزوج للمرة الثانية و اصبح لديه عائلة .. اما نفوذه الاجتماعي فحدث بلا حرج .. و ماذا عن المبادىء .. لقد اصبح قادر ان يطرح افكاره من منبر حكومي بل حتى عبر منبر الامم المتحدة .. كل ما قد يحلم به اي انسان تحقق لجيفارا بالضعف بل بالضعفين بل اكثر من ذالك .
و لكن هل يتنكر الرجل المتنفذ ، لوعده الذي قطعه لذاته .. في جولاته في امريكا الجنوبية (يوم كان طالباً جامعياً) .. هل ينسى انه اعتبر ان قضية اي شعب بالتحرر قضيته هو ، هل ينسى شعاراته التي كان يرددها (أنا لست محرراً ، المحررين لا وجود لهم ، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها) .. هل ينسى كل ذلك ؟ ، ام يحتال على النصوص و الشعارات (كما حصل مع معظم ساستنا في العراق) و يقولب اهدافه ضمن وضعه المترف الجديد .. كما تحول كاسترو (ذاته) لاحقاً ؟
هنا عنوان الاحترام و الرمزية لدي تجاه جيفارا .. هذا هو الدرس الذي يا حبذا لو تأمله سياسيونا في هذه المرحلة الحرجة من حياة العراق السياسي .. كيف صدق الرجل مع ذاته تاركاً الترف ورائه .
جيفارا ابر بوعده و احترم مبادئه .. و اختفى من الحياة السياسية و الرسمية في كوبا عام 1965 .. مغادراً البلاد و تاركاً رسالة خطية لكاسترو ، يعبر له فيها عن حبه لكوبا ارضا و شعباً و اعتزازه بهما .. الا ان مبادئه الثورية العالمية تناديه لمساعدة شعوب اخرى ، تسعى للحرية ، مع اطمئنانه على استقرار الوضع الكوبي .. و ليطالب بألاستقالة من كل مناصبه الرسمية كوزير و رئيس للحزب و ممثل البلاد بالامم المتحدة .. لقد رحل جيفارا من نعيم كوبا .. ليقاتل في جحيم الكونغو ، في قلب افريقيا عندما علم بثورة تحدث في ذلك البلد البعيد .
و انا هنا اكرر ، انني لست مقتنع بكل ما كان جيفارا يفعله على الارض كثائر عالمي .. و لست انسجم مع افكاره مطلقاً .. و لكن الموضوعية تجبرني ان احترم (رجل احترم مبادئه) لقد ترك كل الترف و اللاستقرار و الحياة الناعمة .. ليعود لحياة المقاتل المشرد بين البراري .. ليس لسبب سوى ، لاحترامه لمبادئه و لمصداقيته مع شعاراته (بغض النظر عن كونها خاطئة كما اعتقد ، او مع من يراها صحيحة) .
جيفارا و بعد فشل الثورة في الكونغو (التي قادها لومبابا) ، لم يعد لرغيد كوبا رغم مطالب كاسترو و غيره .. بل توجه الى بوليفيا هذه المرة ليقاتل مع الثوار البوليفيين .. و في التاسع من تشرين الاول من عام 1967 .. قتل جيفارا بعد ان القي القبض عليه من قبل القوات الحكومية البوليفية .. في عملية عسكرية ضد الثوار البوليفيين الذين يقاتل جيفارا معهم .
موت جيفارا .. لم ينهي اسطورته ، بل عززها .. فليس من السهل في العالم المادي ان تجد رجل يترك كل العيش الرغيد و السلطة و ما يلفها من سحر (سحر الكراسي كما هو حال ساستنا في العراق!) .. يترك كل ذلك ليبقى مقاتلاً بالبراري .. لانها مبادئه و شعاراته .. بل الادهى من كل ذلك عندما نعلم ان جيفارا و منذ طفولته المبكرة .. مصاب بداء (الربو) بالتالي فهو انسان عليل و رغم ذلك استمر مقاتلاً حتى موته .. فقط من اجل مبادئه .
صدى شعارات جيفارا و ارائه و مواقفه بالدفاع عن افكاره و الموت في سبيلها تاركاً كل المغريات من مال و سلطة .. حفز ملايين الشباب في العالم من اليساريين و غيرهم .. وفي عام 1968 ، غضب شبان العالم وخرجوا إلى الشوارع معلنين أنهم يستطيعون إنهاء الحروب وتغيير ملامح العالم ، وقد تحول هذا الرجل الثائر بعد موته إلى شهيد لقضاياهم .. أصبح يمثل أحلام ورغبات الملايين ممن يحملون صوره او يشمونها على اجسادهم .. رغم كل ارائه الغير منطقية احياناً ، و رغم خلافه مع العالم الحر الليبرالي .. الذي اثبت المستقبل انه الاكثر انسانية و عدالة .. الا ان جيفارا خلد بأيمانه بقضيته بتركه ما لذ و طاب على حساب مبادئه .
فلو بقي جيفارا ، كما فعل غيره ينعم بالحياة كما هو حال كاستروا .. هل كان سيذكر في كتب التاريخ كأسطورة كما هو الان ؟ .. ربما كان سيذكر كدكتاتور كما هو حال كاسترو اليوم .. اليس هذا الطرح السياسي القائل ان الثوري - الكارزمي لا بد ان يصبح دكتاتوراً لانه لا يرى الا ذاته في كل شيء
تحياتي
ابو وديع