يشعر الانسان بنفسه عن طريق تواصله مع الاخرين بواسطة سلسلة من العلاقات كالصداقة والاخوة والحب وهذه العلاقات هي جزء هام من وجوده في هذه الحياة وهي الاكثر تأثيرا عليه سواء كان هذا التاثير ايجابيا او سلبيا .
وجميعنا مر بمراحل تبرم وسئم من جراء فشل احدى تلك العلاقات بل ان فشل بعض العلاقات أحيانا قد يصيبنا بالاحباط واليأس واحيانا اُخرى يصيب اعيننا بالعمى لدرجة انك قد تفقد الرغبة بالتنفس حتى ! ولكن ليست الحال هكذا دائما فالبعض يرى بعد هنية من الزمن أن فشل تلك العلاقة ليس لعلة فيه او في الطرف الاخر انما لمسببات خارجية عن ارداته معظمها سببها تراكمات ثقافية وقناعات مسبقة تشربت في عقولنا منذ بداية وجودنا في هذه الحياة فتمنعنا - تلك المسببات - مثلا عن الثقة بأحد الاصدقاء بسبب موقف واجهناه في صغرنا عَلمنا ان لا نثق بأحد وعلى هذه الشاكلة هلمَ جراً وعلى افتراض اننا على علاقة مع تلك المسببات الخارجية التي كانت سببا في فشل معظم علاقاتنا فان تلك العلاقة التي تربطنا بها ستكون العلاقة الاكثر اهمية والاكثر تاثيرا فعلاقتنا مع مجتمعنا ومحيطنا - منبع تلك المسببات - الذي نحن جزء منه ونشكل احدى خلاياه المنتشرة حولنا يمكن وصفها بانها علاقة قاصرة في معظم الاحيان يعيبها شيء هام جداً هو نقص التكامل بين طرفيها, التكامل المفقود لدينا عادةً في معظم العلاقات, التكامل الذي يعتبر السبب الاول في قصم ظهر العلاقات على مختلف انواعها .
فالتكامل آلية يجب ان يتم وعيها جيداً لاي علاقة سواء كانت بين فردين او بين مجتمعين او بين فرد ومجتمع او فرد وفكر و هي تعني بصورة نظرية "ان التغيرات التي تحدث في احد الاطراف لاتحدث في فراغ وان اي تغير او تحسين او اعتلال في احد اطراف العلاقة سيؤثر ويتنقل الى الطرف الاخر لامحالة وان اي تصرف او تفكير او تخطيط بين اي طرف من اطراف هذه العلاقة يجب أن يحدث بالتنسيق مع الطرف الاخر " وبالنظر الينا والى العلاقات التي تحكمنا سنجد انفسنا بكل بساطة ابعد مايمكن ان نكون عن التكامل فالمجتمع من جهة يفرض علينا احكام ومواقع وادوار خططت لنا مسبقا لايحق لنا الاعتراض عليها ولا حتى مناقشتها فنصبح في لعبة دمى متحركة يحركنا حينا فيها الى اليمين وحينا اخرى الى اليسار دون اخذ مشورتنا أو حتى وجهة نظرنا فنحن مجرد بيادق يتم الرمي بنا من مربع رقعة الى آخر ومن زاوية الى أُخرى ضمن سياسة نفذ ولا تعترض ونحن من جهة أُخرى ان قررنا التمرد على ذلك فاننا نحطم حولنا كل شيء مغامرين بكل شيء دون ان نعبأ بأي شيء ضمن سياسة ان اردت ان تبني شيئا مرتفعا فحطم كل المباني من حولك فلا نحن نستوعب المجتمع ولا المجتمع يستوعبنا وبهذا ندور دوما في دائرة مفرغة من التعنت فاما ان يكون تعنتنا محافظا جداً واما ان يكون تعنتنا متمردا جداً وهذا لب الخصام في مجتمعنا العربي المنقسم الى يمين يقدس المبادىء والقناعات ويسار يُسَفِهُها دون اخذ اي اعتبار واما الاقلية النادرة والتي تسمي نفسها الوسط الاجتماعي والتي تحاول ان تستخدم نظام " فلترة " لتلك القناعات فتحيل بعضها للتقاعد وتعيد بعضها الاخر الى الواجهة والى دائرة الضوء تجد نفسها في صراع لا مع تلك المحاولة انما مع الطرفين المتعنتين والذين يرون في هؤلاء اشخاصٌ ينتمون الى الطرف الاخر يجب محاربتهم وإسكاتهم على الفور ومهما علت اصوات أفراد هذا الوسط الاجتماعي محاولين بكل قوة ان يقنعوا الطرفين بانهم محايدون وانهم يريدون الاتزان فان اصواتهم -للاسف- لن تسمع لاننا بكل بساطة لم نعتد على الاستماع .
فاليمين الاجتماعي يرى ان تلك القناعات المسبقة او مايسمى بالمبادىء الاجتماعية ذات وجود اطول بكثير من وجود الافراد لذا لا يحق لاي منهم ان يتلاعب بها او يقيمها او أن يناقشها وعلينا جميعا ان نعيش داخل حدود دولتها والتي تُسمى بالعُرف الاجتماعي واليسار الاجتماعي يرى ان تلك القناعات المسبقة يجب ان تدمر بالكامل وان نبدا من الصفر فيما يعرف بالعدمية الاجتماعية ويدفع الى رمي المجتمع باكمله الى قاع القناعات والافكار وبدء جبلها من الحضيض الفكري لانهم يتوهمون ان وجودهم او وجود مريدهم كاف جدا لصناعات قناعات او افكار يحتاج بعضها لتركم ثقافي قد يمتد قرون
وبالعودة الى مفهوم التكامل بين الافراد والمجتمع والذي لايحدث الا بين المجتمع وأتباع فكر الوسط الاجتماعي- المغلوب على أمره - والذي يطمح الى ان يصبح تكاملنا مع مجتمعنا كتكامل اجهزة اجسادنا فيما بينها والتي تستجيب لاي اعتلال او تغير او تحسين في اي من تلك الاجهزة والتي تعمل ككيان واحد متكامل تماما و كفريق عمل متماسك يهتم كل " جهاز " بالاجهزة الاخرى لانه يعي تماما ان اعتلال في اي من اجهزة الجسد او اقسامه سيؤثر في النهاية على الجسد بكامله وبالتالي على هذا الجهاز نفسه وكل ذلك يحدث تحت اشراف عام في مركز عمليات يسمى الدماغ اي ما يدعى لدينا بالسياسة الاجتماعية نرى ان نقصنا في مفهوم التكامل حاد جداً فنحن أُميون بكل ما تحمل الكلمة من معنى فيما يتعلق بذلك المفهوم فمجتمعنا يتغير دوما دون ان نعي نحن هذه التغيرات ودون ان نناقشها ونحن نتغير ايضا - كأفراد - دون ان يحترم المجتمع هذه التغيرات ونحن معزولون تماما في دائرة عزلة نقبع بها بعيدا جدا عما يحدث خارج حدود وجودنا " المتكامل " ونجد انفسنا دوما بين فكي كماشة - التغير الذي نريده من جهة والمجتمع الذي يقف امامنا من جهة أُخرى - وعلى اعتبار الميزان مختل دوما لصالح اليمين الاجتماعي -لان الشرق باكمله يميل الى المحافظة - فإننا ننصاع دوما لليمين الاجتماعي مهملين دوما حقنا في المطالبة بالتكامل تحت رهبة الاتهام باننا ننتمي الى اليسار الاجتماعي المتمرد او الى منظومة اجتماعية خارجية هدفها تحطيم اصنام مجتمعنا المقدسة وإحاكة مؤامرة كبرى لتدمير ثقافتنا ! وبهذا ننجرف دوما بكرة ثلجِ عملاقة تاكل كل من يقف امامها.
ولكن ككل المشاكل وككل كرات الثلج فهي تبدأ من مسببات صغيرة فاعلاء صوتنا بحقنا في التكامل مع مجتمعنا هو شيء " منافق " جدا لاننا انفسنا لا نحترم التكامل فيما بيننا على الاطلاق فلا رب الاسرة يعيه مع اسرته ولا الحبيب مع حبيبته ولا الصديق مع صديقه فكل منا يغني على ليلاه فترى الرجل منا يبني احلامه ويرتب اولوياته وينفذها احيانا اخرى دون ان يناقش شريكة حياته فيما يخصها او حتى ان يتحلى بالكياسة بإخبرها بها رغم ان اي قرار من تلك القرارات سيؤثر عليها بصورة مباشرة وترى المرأة تقرر من نفسها ان الوقت قد حان لانجاب " طفلهما " الاول مثلا دون ان تناقش ذلك مع زوجها او ان تخبره فتضع نفسها معه في معضلات كان يمكن تلافيها ان تحاورا في الامر قبل تنفيذه وترى الشاب قرر السفر " بعيداً " دون ان يدرك تأثير ذلك على اسرته وهكذا جميعنا يغمض عيناه ويقرر ارتجالا دون ان يدرك ان قراره هذا ليس ملكه وحده وان هذه الفوضى التي تشوب معظم علاقاتنا سببها خللٌ في آلية التكامل وفهمها وانها لابد حتما من ان تنسحب على علاقتنا مع مجتمعنا مشكلة - هذه الفوضى - بذلك اكبر واخطر كرة ثلجية تجرفنا منذ عقود مضت في سهول من الفشل وضعف الحوار المتقع المقوض لاي محاولة لرفع الراس قليلا فالحكومة لا تناقش المنظمات المدنية في قراراتها لان الرجال قوامون على النساء والقطاع العام لا يناقش القطاع الخاص في قراراته لان أهل مكة أعلم بشعابها و الجامعات لا تناقش تغير المناهج مع طلابها لان " الكبير كبير والصغير صغير "والامثلة كثيرة جميعها منبعها شيء واحد هو " أنا " وقاعدة واحدة تقول " لأني غير متكامل مع من حولي فإن مجتمعي غير متامكل معي " لا أدري فقد يكون الحل فعلا هو أن تغير نفسك وأن تغير تلك القاعدة وان تبدا في ان تعي اهمية خياراتك وقراراتك على كل شيء يدور حولك فانت جزء هام من هذه الحياة وانت احد ابطالها وانت مهما كنت صغيرا او كبير - في العمر - فأنت مؤثرٌ بها ومتأثرا بها ولكن هذا الحل طويل الامد بعيد التاثير جداً ولن ترى تأثيره على مد بصرك لذا ربما عليك ان تتجاهل كل ماقرأته سابقا وان تختار جهة ما تستظل بها فاما يمينا متعنتا كمعظم افراد المنطقة وإما يسارا متمردا كمعظم صعاليك المنطقة فلا احد سيعبأ بالتغير الذي ستقوم به الان الا لو كنت- لا سمح الله - ذا افق بعيد وتؤمن ان لكل انسان دوره وان عدم تأدية الاخرين دورهم لن يغنيك عن القيام بما يجب القيام به فالتكامل في النهاية آلية أنت احد اهم تروس عملها و الحياة قرار تملكه بيدك أنت أيضاً .