الخجل.. مفهومه وأسبابه وعلاجه
- كلمة الخجل Shyness
شأنها شأن كثير من الكلمات، لا تشير إلى معنى واحد محدد، بل تستخدم بطرق
مختلفة لتصف جوانب عديدة من حالة الفرد النفسية في أثناء تفاعلاته في
المواقف الاجتماعية، فنحن نصف الفرد بأنه خجول إذا كان يميل إلى الصمت وهو
بصحبة آخرين، ويشعر بالضيق والتوتر لوجوده في وسط جماعة من الأفراد، ويكره
ان تسلط الأضواء عليه، أو يكون موضع ملاحظة الآخرين واهتمامهم، أو يشعر
بالتردد والخوف إذا كان بصدد مقابلة شخص يراه أمامه ولكنه لم يسبق له
التعامل معه.
وإذا
كنا نستخدم مصطلح الخجل كمسمى لمثل تلك المشاعر والسلوكيات السلبية، فمن
الممكن استخدامه أيضا لتفسيرها والوقوف على معانيها ودلالاتها . فلأن
الشخص خجول، فهو لا يجد ما يقوله، ويتردد في تلبية دعوة ما، ويشعر بالتوتر
عند وجوده مع آخرين. وهو ما يعني ان الخجل هو سبب تلك المشاعر والسلوكيات
السلبية. واحد التفسيرات النفسية الشائعة للخجل اعتباره كاشفا عن الحالة
المزاجية للفرد. ومن ثم فعندما نقول إن فلانا شخص خجول، فإننا نعني ان سمة
الخجل تمثل مكونا أساسيا في شخصيته، او ان شخصيته من النمط الخجول.
واستخدام
هذا النوع من التفسير القائم على مفهوم السمة ونمط الشخصية، يمكن ان
يساعدنا على مزيد من الفهم الصحيح لسلوك فرد ما وعدم إساءة تفسير سلوكه.
فالفرد الذي يبدو عادة قليل الكلام، ويميل إلى العزلة والانزواء، أو الذي
يبدو متكبرا مغرورا ولا يبدي ودا للآخرين، يمكن ان نفهمه بشكل مختلف إذا
علمنا انه شخص خجول. وكذلك يساعدنا هذا النوع من التفسير على ان نكون أكثر
فهما لخبراتنا وتصرفاتنا الشخصية في المواقف الاجتماعية، وذلك حينما نعلم
ان هناك أنماطا مختلفة من الشخصية الإنسانية، وان لكل منها مسمى محددا،
وان النمط الغالب في شخصية الفرد هو الذي تتحدد من خلاله مشاعر الفرد
وسلوكه وأسلوبه في التعامل مع الآخرين ومن ثم مدى توافقه النفسي
والاجتماعي.
والخجل
ليس مجرد وصف أو تعبير عن الحالة النفسية للفرد، مثلما نقول هذا شخص عصبي،
أو ذاك شخص قلق، بل ان له تأثير كبير في سلوك الفرد، فربما يأخذ شكل الصمت
أو قلة الكلام، ومن ثم عدم قدرة الفرد على المشاركة في محادثة أو نقاش مع
شخص آخر، أو حتى النظر في عين من يحادثه. ان الشخص الخجول عادة ما يسلك
مسلكا دفاعيا، إذ ينأى بذاته عن مواقف التفاعل الاجتماعي والتواصل مع
الآخرين، ويكره ان يعبر عن آرائه أو يبدي اختلافه مع آراء الآخرين، ويحرص
دائما ان يكون في خلفية الصورة بعيدا عن الآخرين، بالإضافة إلى ان الخجول
يجد صعوبة في توكيد ذاته(أي الدفاع عن حقوقه الخاصة بأسلوب سلمي، والتعبير
عن الأفكار والمعتقدات والمشاعر على نحو صريح ومباشر).
ولتلك
السلوكيات انعكاسات سيئة أهمها ما يكونه الآخرون عن الخجول من انطباعات
سلبية مثل انه شخص غير جذاب، وان صفاته الشخصية ليست محل تقدير .
المواقف الاجتماعية المسببة للخجل
أشار
العديد من الأشخاص إلى أنهم يشعرون بالخجل عندما يكونون في بؤرة الاهتمام
وسط مجموعة كبيرة من الأشخاص(مثلا: عندما تلقي كلمة أو يطلب منك الحديث
أمام حشد أو مجموعة من الأفراد)، أو ان مجرد الوجود وسط مجموعة كبيرة يحدث
الخجل فيهم، او الدخول في علاقات اجتماعية جديدة مع اسر أو أشخاص، أو
التعرض لمواقف تتطلب من الفرد توكيد الذات (مثل: الشكوى من سوء الخدمة في
إحدى المطاعم، أو سوء حالة منتج معين)، اوعندما توضع موضع تقييم ومقارنة
مع الآخرين، أو ان تكون في بؤرة الانتباه وأنت وسط مجموعة صغيرة (مثل:
مواقف التعارف، وعندما يطلب منك التعبير عن رأيك في موضوع ما)، او التعامل
مع الغرباء بشكل عام، أو الوجود مع جماعة من الجنس الآخر، او الوجود مع من
تعتقد انه أعلى مكانة اجتماعية بالنسبة إليك، نتيجة لما يتمتع به من معرفة
وتفوق عقلي وخبرة.
ومن
الأهمية بمكان القول ان الفرد حينما يحكم على مدى قدرته على القيام بسلوك
ما بشكل فعال في أي موقف من المواقف الاجتماعية . فإنه يعتمد في ذلك على
خبراته السابقة في مواقف مماثلة لهذا الموقف . وإذا كانت تلك الخبرات
سلبية، وكان مصيرها الفشل، فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض معتقداته في فاعلية
ذاته، وإرجاع أي نجاح للمصادفة،والاعتقاد انه كان مجرد نجاح عارض. وبسبب
هذا النمط من التفسير الذي يتبناه الفرد تظل تلك المعتقدات قائمة، ويستعين
بها الفرد لتفسير مردود أي سلوك يقوم به . وعلى سبيل المثال ربما يعزو
الرجل الخجول أي نجاح اجتماعي يحققه إلى انه لم تتح للآخرين فرصة ان
يعرفوا حقيقته وواقعه الفعلي. ومع ذلك فإن الخجولين نادرا ما يفشلون في
المواقف الاجتماعية، نظرا إلى ما لديهم من استراتيجيات كونوها لحماية
أنفسهم من هذا الفشل. ومع ذلك فأنهم لا يعزون نجاحهم هذا إلى ما لديهم من
استراتيجيات، على الرغم من أنها استراتيجيات مواجهة سلبية.
أسباب الخجل
تشير الدراسات ان الأشخاص الذين كانوا في طفولتهم يتلقون اهتماما أو حماية زائدة Overprotection
من ذويهم يصبحون في الأغلب خجولين واعتماديين وغير فاعلين، وهذا الاتجاه
في التنشئة يؤدي غالبا إلى الجبن وطفولية التصرف إذ ان الأفراد لا يكونوا
قد تعلموا ان يثقوا بأنفسهم في التعامل الفعال مع البيئة والآخرين. ان ذوي
الحماية الزائدة قد يبتعدون خجلا عن الآخرين لأنهم لا يحبون التعامل مع
الأشياء إلا إذا سارت على هواهم.
على النقيض مما سبق فإن عدم الميل Disinterest
من قبل الآباء نحو الاهتمام بأبنائهم قد يجعل من هؤلاء الأبناء خجولين،
وربما يكون مبرر الآباء في ذلك ان عدم الاهتمام يساعد على تنمية استقلالية
الابن،وبدلا من ان يؤدي عدم اهتمام الوالدين إلى الاستقلالية فهو يؤدي إلى
شخصية خائفة خجولة، مما ينعكس سلبا على الأبناء الذين يصبحون لا يمتلكون
الثقة الداخلية الضرورية للمغامرة الاجتماعية.
إضافة لما ذكر آنفا فان الأفراد الذين يتعرضون للسخرية والاغاضة Teasing
يكونون الأكثر خجلا من غيرهم، فقد يهزأ الآباء والأخوة على نحو متكرر من
الأفراد الذين يبدون ضعفا ويستجيبون بالانسحاب من مواجهة الآخرين، فهم
يتجنبون الاتصال الاجتماعي تجنبا للسخرية وذلك بسبب حساسيتهم العالية
وخوفهم من ان يكونوا موضعا للحكم أو النبذ أو الإحراج.
العلاج:
تشير
الدراسات والنظريات العلمية إلى الكثير من الأساليب التي بإمكان الفرد
اتباعها للتخفيف من الخجل المبالغ فيه والذي عادة لا يتطابق حجمه مع طبيعة
الموقف المقابل، ومن هذه الأساليب نذكر:
1-
لاحظ السلوكيات المقبولة في المجتمع والتي تخضع للمعايير الاجتماعية
السائدة، واعمل على نمذجتها ومحاولة تكراراها لتصبح سلوكا مقبولا .
2- حاول ان تسترخي في المواقف التي تحدث عندك التوتر أو القلق، فالاسترخاء هو مضاد مباشر للقلق.
3-
تحدث مع ذاتك ايجابيا: ان واحدا من أكثر العناصر تدميرا في الخجل هو قناعة
الفرد بأنه ذو شخصية خجولة . فالحوادث ترى وتفسر من خلال الإدراك القائم
على الخجل، على نحو يجعله يدعم باستمرار مفهوم الذات بأنك شخص خجول لا
تستطيع إقامة علاقات مع الآخرين.عليه يجب ان التحدث مع الذات بطريقة
طبيعية: عندما أكون مع أناس مهمين فإنني أفكر بإنجازاتي بدلا من ان أفكر
كيف ان كل واحد منهم أفضل مني أي انك يجب ان تحلل المشكلة وان تعطي
مقترحات محددة حول الأحاديث السلبية مع الذات التي ينبغي تجنبها والعبارات
الايجابية التي ينبغي استخدامها.